منذ أن تم الإعلان عن المحادثات التي تجري بين تركيا وأمريكا حول مشروع “المنطقة الآمنة”، بدأ العديد من المسؤولين الأكراد الإعلان عن تخوفهم من الموقف الأمريكي إزاءهم، حيث شدد البعض على أن واشنطن حليف لا يمكن الوثوق به، لافتين إلى ضرورة التوجه نحو الحوار مع الدولة السورية، كما ناشد أحد مسؤولي “قسد” الدولة السورية بضرورة التدخل شمالي شرق سورية، لحمايتهم من العملية العسكرية التركية، وبعد أيام تم الإعلان عن الوصول لاتفاق حول “المنطقة الآمنة” وأعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أن هذه المنطقة ستكون بعمق 20 كم في أراضي شمال الشرق السوري.
يوحي هذا القرار بتفضيل أمريكا لمصالح حليفتها تركيا عن الحليف الكردي في سورية، الأمر الذي قد يدفع الأكراد إلى إعادة التفكير في خيارهم المتعلق بتحالفهم مع الولايات المتحدة، في حين أنه ليس من صالح أمريكا في المرحلة الحالية خسارة تحالفها مع الأكراد، فتوجهت إلى محاولة طمأنتهم من خلال التعزيزات العسكرية التي أرسلتها لمواقعهم شرقي الفرات.
وفي هذه المرحلة يبدو التخبط في صفوف الأكراد واضحاً فبالرغم من انصياع “الوحدات الكردية” للأوامر الأمريكية حول تنفيذ بنود اتفاق “المنطقة الآمنة” لا يزال بعض المسؤولين الأكراد يلمحون برغبتهم بالعودة إلى الدولة السورية، حيث نقلت اليوم قناة “روسيا اليوم” عن مسؤولين في “قسد” تأكيدهم على ضرورة إيجاد حل يتناسب مع الوضع الراهن لشمال شرق سورية عامة، وللقضية الكردية بشكل خاص، من خلال التفاوض مع ممثلي “الإدارة الذاتية” و”قسد”.
التخبط والغموض المحيط بالمواقف الكردية ربما يتعلق بضغوطات أمريكية أو أحلام وعدتهم واشنطن بتحقيقها حول مستقبلهم، لكن بالتأكيد هذه الأحلام تقابلها زعزعة ثقة الجانب الكردي بأمريكا كحليف وداعم لهم، لا سيما بعدما أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، عن قراره المتعلق بضرورة انسحاب قوات بلاده من سورية.
ولمعرفة حقيقة أهمية ملف الأكراد لدى واشنطن يكفي الاطلاع على ما جرى بين ترامب والسيناتور الجمهور لينزي غراهام، عندما قال الأخير: “إذا تخلينا عن الأكراد من سيقاتل عنا في سورية” إضافة إلى ما قاله السفير الأمريكي السابق لدى دمشق روبرت فورد، عندما قال: “معظم الأمريكيون لا يهتمون بمستقبل الأكراد” هذين التصريحين يوضحان حقيقة الموقف الأمريكي من الأكراد.
يبدو أن “قسد” تسعى في المرحلة الحالية إلى فتح باب للتواصل مع الدولة السورية، آخذة بالحسبان الوقت الذي تعلن فيه أمريكا تخليها عنها، لكنها في الوقت ذاته لا تريد التخلي عن أحلامها الانفصالية، التي تتخذها أمريكا وتراً تعزف عليه متى شاءت لجذب القيادات الكردية نحوها.
وما يدفع الأكراد أيضاً إلى التوجه نحو إعادة العلاقات مع الدولة السورية هي المتغيرات الميدانية الأخيرة التي تجري في إدلب، حيث أثبتت الدولة السورية خلالها أنها قادرة على استعادة كافة أراضيها مهما كانت القوة التي ستواجهها، ما يبدد ثقة “قسد” بالقوة الأمريكية في سورية، آخذة بعين الاعتبار تصريحات المسؤولين السوريين التي يشددون خلالها على إصرارهم لإستعادة جميع الأراضي السورية وإخراج القوى المحتلة من بلادهم مهما كان الثمن.
في ظل هذا الواقع الكردي، يشهد الوجود الأمريكي تهديداً حقيقياً في سورية، فمن جهة نظرة الأكراد لهم ومن جهة أخرى ما يجري شمالي غرب سورية، فالقوات السورية مستمرة بتوسيع نطاق سيطرتها وصولاً إلى الشمال السوري ما يبدد المصالح التركية، الأمر الذي يجبر تركيا على الابتعاد عن أمريكا والتوجه نحو روسيا وتقديم التنازلات لها لعدم خسارة ما جنته في الشمال السوري حيث فاقت أهمية هذا الأمر أهمية تشكيل “المنطقة الآمنة”، والواقع يشير إلى أن موسكو لا تزال حليفة قوية للدولة السورية حيث تجتمع المصالح الروسية مع مصالح الدولة السورية حول ضرورة خروج أمريكا من سورية.
زهراء سرحان