خاص|| أثر برس بالتزامن مع إعلان العراق مشروع “طريق التنمية” الذي يربط بين ميناء “الفاو” في البصرة جنوبي العراق حتى ميناء “مرسين” التركي على المتوسط، يتجدد الحديث عن مشروع آخر في المنطقة، وهو مشروع الربط السككي بين “إيران والعراق وسوريا”، والذي يُعد من أهم المشاريع الاستراتيجية التي نوقشت للربط البري بين هذه الدول الثلاث.
ويتفق الخبراء على أهمّية مشروع الربط السككي للمنطقة، لكنهم يرون أنّ توقيت إطلاق “طريق التنمية” حساس، وهذا يعني أنه سيكون بدلاً لمشروع الربط السككي، ويأتي هذا في وقت أكّد فيه مسؤول حكومي في حديث لــ”أثر” أنّ البحث في مشروع “الربط السككي قائم ومستمر حالياً بين الدول الثلاثة.
ما هما مشروعا “الربط السككي” و”طريق التنمية”؟
يُعد مشروع الربط السككي بين “إيران والعراق وسوريا”، من أهم المشاريع الاستراتيجية التي تم الحديث عنها في السنوات الماضية، إلى جانب إعادة إحياء مشروع أنابيب نفط “كركوك- بانياس” وهو مشروع قديم وتوقف العمل فيه في زمن الحرب السورية، ويهدف إلى الربط بين السواحل السورية والعراقية والإيرانية.
والمسار المعلن للمشروع، هو الربط بين ميناء “الإمام الخميني” الواقع على الساحل الإيراني على مياه الخليج مع ميناء “اللاذقية” على البحر الأبيض المتوسط، إضافةً إلى مشروع ربط مدينتي “شلمجة” الإيرانية و”البصرة” العراقية بطول 32 كيلومتراً وسيكتمل بربط “شلمجة” بميناء “الإمام الخميني”، وربط “البصرة” بميناء “اللاذقية”.
كما تشير التقارير الإعلامية إلى أنّ فكرة سكة الحديد الإيرانية، خرجت للمرة الأولى في أواخر عام 2016 بلسان مساعد المرشد الإيراني للشؤون العسكرية، يحيى صفوي، والذي أكد حينها ضرورة إنشاء سكك حديدية تربط إيران بالعراق وسوريا للوصول إلى ميناء اللاذقية”.
بتاريخ 24 كانون الثاني 2021، أعلن وزير النقل الإيراني محمد إسلامي، أن المحادثات عن “ربط الترانزيت” مع سوريا بوساطة سكك الحديد في الأراضي العراقية “بلغت مراحل جيدة”. بينما قال مدير الشركة العامة لسكك العراق طالب جواد الحسيني بتاريخ 6 آذار 2022: إن “هناك مشاريع ودراسات للنهوض بقطاع السكك الداخلي والربط مع دول الجوار، سيما تركيا وسوريا”.
في 3 أيار 2023، وقع الرئيس بشار الأسد والرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي، عدداً من اتفاقيات التعاون في مجال الزراعة والنفط والنقل والمناطق الحرة والاتصالات وعدد من المجالات الأخرى ومن بينها “محضر اجتماع للتعاون في مجال السكك الحديدية”.
أمّا فيما يتعلق بمشروع “طريق التنمية” يعد من أحدث المشاريع الاستراتيجية المطروحة في مستوى دول المنطقة (قطر والإمارات والكويت وعُمان والأردن وتركيا وإيران والسعودية وسوريا)، وأُعلن أول مرة في أثناء زيارة رئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني، إلى تركيا، في آذار الماضي، وذلك في مؤتمر صحافي مشترك مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان.
وتم إطلاقه مؤخراً بتاريخ 28 أيار 2023 في العاصمة العراقية بغداد، وبحضور ممثلي دول عدة من بينها سوريا والتي مثلها وفد ترأسه وزير النقل السوري زهير خزيم.
وبحسب ما أعلنه رئيس الوزراء العراقي، محمد شياع السوداني، فإنّ المشروع يهدف إلى الربط السككي والبري بين ميناء “الفاو” في البصرة جنوبي العراق حتى ميناء “مرسين” التركي على المتوسط.
ويبلغ طول المشروع إلى 2200 كيلومتر، القسم الأول منها بطول 1200 كيلومتر داخل الأراضي العراقية، والغاية الرئيسة للمشروع ربط تجارة شرق العالم بغربه، وتخفيض زمن الرحلة البحرية من 33 إلى 15 يوماً، وسيدر للعراق أرباحاً سنوية تقدر بنحو 4 مليارات دولار فضلاً عن توفيره 100 ألف فرصة عمل، وبكلفة إجمالية تبلغ نحو 17 مليار دولار.
ويرى الخبراء، أنّ أهمية مشروع “طريق التنمية” تأتي في سياق توجه دول المنطقة إلى تعزيز مشاريع التنمية المستدامة وسيسهم إسهاماً كبيراً في تعزيز دور القطاعات الاقتصادية غير النفطية في حركة التجارة الدولية لدول المنطقة، خاصة أنّ عدداً من دول الخليج والعراق تسعى إلى تعزيز فكرة التنويع الاقتصادي للتخلص من سمة الاقتصاد الريعي. وفي هذا السياق، قال رئيس الوزراء العراقي، في كلمة بالمؤتمر: “نرى في هذا المشروع المستدام ركيزة للاقتصاد المستدام غير النفطي وعقدة ارتباط تخدم جيران العراق والمنطقة وإسهاماً في جلب جهود التكامل الاقتصادي”.
هل سيكون “طريق التنمية” بديلاً لمشروع “الربط السككي”؟
تدرك سوريا أهمّية الانخراط في تنفيذ المشاريع الاستراتيجية في المنطقة، ويساعدها في ذلك موقعها الجغرافي الاستراتيجي كونها حلقة ربط مهمة إلى المتوسط، وعلى الرغم من التحديات الكبيرة التي تواجهها حالياً نتيجة حالة عدم الاستقرار الأمني والاقتصادي، فهي لم تبتعد عن مشاركة كلٍّ من العراق وإيران في النقاشات والتفاهمات التي جرت في آلية إعادة تنفيذ مشروع “الربط السككي” طيلة السنوات الماضية، لكن إعلان مشروع “طريق التنمية” ربما سيدفع الحكومة إلى بذل جهود أخرى أكبر لضمان أن تكون شريك استراتيجي فيه.
وفي هذا الإطار يؤكّد رئيس قسم الاقتصاد في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق، والمستشار في رئاسة مجلس الوزراء، الدكتور عبد القادر عزوز لـ”أثر”، أنّ “سوريا حريصة على التعاون الإقليمي بين جميع دول المنطقة وبالتالي هي تدعم أيّ مبادرات تنموية سواء في المجال الأمني أم السياسي أم الاقتصادي في إطار إرساء التعاون والحوار بين دول الإقليم، وبالتالي المشاريع الاقتصادية تشكل رافعة وضمانة أساسية لتعزيز هذا التعاون والتكامل الإقليمي المشترك”.
وكانت سوريا قد بذلت جهوداً رسمية ودبلوماسية كبيرة في سعيها لإثبات وجودها شريكاً رئيساً ضمن مشروع الربط السككي، ولكن بعد إعلان مشروع طريق التنمية، يرى بعض الخبراء، أنّ الحجم الكبير لمشروع “طريق التنمية”، ربما يعني بزاوية أخرى هو إلغاء لمشروع “الربط السككي” الذي لا يوجد توافق عراقي داخلي عليه.
وهنا يرى عزوز، أنّ “هذه المشاريع المطروحة يمكن أن يكون بعضها مكملاً لبعض، أي تحقيق تكامل استراتيجي بين دول الإقليم، خاصة أن هناك مبادرات لبناء منظومة تعاون وأمن إقليمي متكامل، وممكن أن تكون سوريا لاحقاً هي جزء من هذا المشروع ولكن طريق التنمية ليس بديلاً لمشروع الربط السككي”.
وأضاف: “إنّ البحث بمشروع الربط السككي بين الدول الثلاثة هو قائم ومستمر حالياً”، أمّا عن الصعوبات التي تعيق التعاون الاقتصادي، قال: “أهم الصعوبات اليوم التي تعيق التعاون هي وجود قوات الاحتلال الأمريكي وخلايا داعش والمجموعات الانفصالية في الجزيرة السورية، وبالتالي إعادة استباب الأمن والاستقرار مجدداً بين طرفي الحدود وإنهاء حالة الخلل الأمني والسياسي الحاصل جراء وجود قوات الاحتلال والتنظيمات الإرهابية هو أكثر ما يعيق عملية تطوير التبادل التجاري بين العراق وسوريا”.
قصي المحمد