يبدو بأن عام 2020 هو عام انهيار خطط تركيا في مختلف الملفات في المنطقة، فبعد شهرين من الغطرسة التركية والتصريحات الرنانة التي خرج بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يبدو بأن الأخير قد فهم حجم قدراته السياسية والعسكرية وأنه لا يستطيع محاربة كافة دول المنطقة من أجل إعادة أمجاد دولته العثمانية.
فبعد إعلان الرئيس التركي عن بدء أنقرة نشر قوات عسكرية في ليبيا لدعم حكومة الوفاق الليبية والتي رأى فيها البعض خطوة تركية جادة للتدخل العسكري المباشر في معركة عسكرية ليست عادية، بدأت اللهجة التركية بالتغيُر بعد أن رأت بأنها لا تستطيع تغيير المشهد بشكل جذري في ظل التفوق العسكري والسيطرة الواسعة التي تحققها قوات حفتر التي تسيطر على معظم مساحة الأراضي الليبية وتتلقى دعم دولي كبير.
فالجنرال حفتر المدعوم من مِصر والإمارات والسعودية وروسيا وفرنسا يُسيطِر على معظم مناطق شرق وجنوب ليبيا بِما في ذلك الهِلال النّفطي، ولم تبقَ إلا بعض الأجزاء من طرابلس العاصمة خارج سلطته، إلى جانب مصراته، ولن يقبل بأي اتّفاق يؤدي إلى خسارته أيّ من هذه المكتسبات خاصّةً بعد سيطرته على مدينة سرت الاستراتيجيّة الوسطية بوّابة الغرب دون قتال قبل أيّام، وهذا ما ظهر بشكل جلي بعد رفضه التوقيع على اتفاق لوقف إطلاق النار في موسكو .
وحتى على صعيد حلفاء حفتر، فبعد التصريحات الرعناء التي وجهتها تركيا لمصر عادت في هذه الأيام لتغير من لهجتها في التهديد حيث أشار مُستشار أردوغان، ياسين أقطاي إلى ضرورة الجلوس مع مصر والتعاون معها مشيراً في مقالٍ نشره في صحيفة “يني شفق” النّاطقة باسم الحزب الحاكم أمس، لأنّ أسباب التّعاون أكثر من أسباب الحرب والعداء، متسائلًا: “ألا يمكن أن تكون هذه فرصة للعلاقات التركية-المصرية-الليبية”؟، ورأى الكثير من المحللين أن ما كتبه أقطاي جاء بعد طلب من الرئيس التركي الذي بات محرجاً تجاه المجريات في ليبيا.
أما على الصعيد السوري الذي يشهد منذ سنوات تدخلاً عسكرياً تركيا صريحاً، فقد عقد أول أمس لقاء علني هو الأول من نوعه بين اللّواء علي المملوك، رئيس مكتب الأمن الوطني السوري ونظيره التركي حقان فيدان رئيس جهاز المخابرات التركي، لبحث ملف إدلب وشِمال سورية برعايةٍ من الرئيس فلاديمير بوتين ، هذا اللقاء يؤكد بصورة أو بأخرى حاجة تركيا لتغيير سياستها العدوانية تجاه الدولة السورية خصوصاً وأن الرئيس التركي كان قد أعلن بشكل دائم رفضه لأي حوار مع دمشق ليأتي هذا الاجتماع الذي رأت فيه الفصائل المسلحة التابعة للنظام التركي في الشمال السوري خيانة تركية واضحة لهم في ظل كل الوعود التي قدمتها تركيا لهم لتحقيق ما يسمى بـ “إسقاط النظام”، والذي جاء بهدف الاستفادة منهم في معارك تركيا سواءً في الشمال السوري أو كما جرى مؤخراً عبر زجهم في معركة خاسرة في ليبيا لإبعاد الجنود الأتراك عن نيران هذه المعارك التي يبدو أنها محسومة عسكرياً لصالح قوات حفتر.
قد يكون الرئيس التركي قد تفهم فكرة أن معركته في سورية لا تشبه معركته في ليبيا فكل الأطراف التي دعمت خططته العسكرية بدايات عام 2011 في سورية تقف في وجهه في ليبيا إلى جانب روسيا التي باتت تشكل ضابط الإيقاع السياسي في المنطقة وتتمكن من كسب كل مصالحها نتيجة قنواتها السياسية والدبلوماسية المرتبطة بكافة الأطراف والدول في هذه المنطقة في ظل وجود رجل غير ضليع في السياسية داخل البيت الأبيض لم يعرف مواجهة حنكة بوتين في الشرق الأوسط.