خاص || أثر برس يحرص كثيرون من أهالي الحسكة على الحفاظ على كل ما هو شعبي متوارث في تقديم الطعام وخاصة وجبة “المنسف العربي” المسقّى بالسمن البلدي قديماً، ليُختصر منها الكثير في الوقت الحالي جراء ارتفاع الأسعار والغلاء.
ويرتبط المنسف العربي بالمناسبات، ويعتبر شهر رمضان المبارك إحدى المناسبات التي يكون فيها المنسف حاضراً على مواد الإفطار، خاصة في الولائم التي تقام خلال الشهر الفضيل.
ويأخذ المنسف أشكال متنوعة ومختلفة من حيث الإعداد وطريقة التحضير، ورغم أن منها ما يقدم بلحم الدجاج إلا أن أساسه لحم الضأن، مع تطور بسيط على شكل المنسف الذي اختلف عن الماضي لناحية تعديلات حديثة عليه.
يقول الباحث في التراث الشعبي دحام السلطان، في حديث لـ”أثر”: “يعتبر المنسف العربي الأكلة الشعبية الرسمية الأولى بالمحافظة، التي لا تزال رمزيتها متجذّرة في نفوس أهلها الذين حملوها معهم من البادية والريف إلى المدينة، فأصبح لها انتشاراً واسعاً في جميع أنحاء المحافظة، حيث تُقدّم هذه الأكلة الشعبية في (دسيعة) كبيرة على شكل حلقة دائرية”.
وتابع السلطان أن “الدسيعة” مصنوعة من معدني النحاس أو الألمنيوم، ثم تطوّر مجسّم شكلها إلى بيضوي على شكل زوارق كبيرة مع الحفاظ على الشكل التقليدي القديم لها، وتنتهي أطرافها الدائرية بحلقات صغيرة متعددة يتناسب عددها وحجم اتساع المنسف، وتكون بحجم مقبض اليد، التي تتعاون مع غيرها على حمل المنسف، ويُملئ جسم المنسف من الداخل بالثرود الذي تتألف مكوناته من خبز “الصاج” الرقيق والمرق واللحم، أو الثرود المُرزز، الذي تغطيه قطع اللحم الكبيرة والتي بدورها تحجب الخبز والرز معاً دليلاً على السخاء وكرم الضيافة، وبمثل قالته العرب قديماً ونردده إلى الآن “العين هي التي تأكل”.
وأضاف الباحث أنه “في السنوات الأخيرة أصبحت المناسف تحمل الذبيحة بأكملها، ويُحشى جوفها بالرز والمكسّرات المتنوّعة والمرتفعة الثمن ببذخ مترف منقطع النظير، لأن لها رمزية مهمة ومؤثرة في التراث الشعبي الذي له وزنه في كافة المناسبات الشعبية مهما كان حجمها إن كان في البيوت أو في المطاعم العامة، وطريقة تناول ما يحتويه المنسف تكون باليد”.
ويبيّن الشاب عمر الهيجل، أن الوليمة تعني منسف، خاصة في الجزيرة السورية، وشهر رمضان يعتبر مناسبة مهمة لتقديم المنسف في الإفطار، ويقدم عادةً مع خبز الصاج والمرق ولحم الضان ويسقى بالسمن العربي، ويقدم أيضاً بطريقة تغطية الخبز والمرق بالرز بشكل كامل وتسمى (المجللة)، وفي الوقت الحالي فإن الغالبية يقدمونها باستخدام لحم ومرق الفروج وتسمى (بجارية).
ويضيف الهيجل، أن الأوضاع الحالية وضيق الحالة المادية باتوا يفرضون واقع جديد دفع الكثير للتخلي عن هذه الأكلة بشكل نهائي، لتُحضّر فقط في المناسبات، وعادة ما يكون المنسف حاضراً على موائد أهالي الجزيرة السورية خاصة في الريف الذي لا يستسيغ الطبخ الحديث.
أما عن تكلفة وليمة المنسف العربي لـ 20 شخص، فبحسب الهجيل تصل إلى 750 ألف، وبحسبة بسيطة إن كان سعر كيلو الرز 8000 كيلو واللحم 50 ألف، وكيلو السمن 80 ألف،
وبحسبه بسيطة قد تصل تكلفة إعداد منسف يكفي لأربعة أشخاص إلى 150 ألف ليرة سورية، حيث يحتاج إعداده 2 كيلو لحم ضأن بعظمه بسعر 100 ألف ليرة سورية، و2 كيلو أرز بـ 16 ألف ليرة وخبز صاج بـ 126 ألف ليرة، ومواد أساسية ولم يتم حساب التوابل والسمن والغاز.
ورغم صعوبة الواقع يتصدر “المنسف العربي” الموقع الأول بين ترتيب هذا اللون من الموروث الشعبي بجزئيته المهمة، لولادته وارتباطه بين أكبر المكونات المجتمعية وأوسعها انتشاراً في الجزيرة السورية وحمله لاسم هذا المكوّن وإن تعدّاه وارتبط بمعظم مكوّنات الجزيرة السورية، إلا أنه بقي محافظاً على اسمه إلى الآن.
جواز حزام – الحسكة