بالتزامن مع غياب الحديث عن أي مستجدات بخصوص مسار التقارب السوري- التركي ، أجرى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جولته الخليجية، ووقّع خلالها صفقات اقتصادية وعسكرية، وصفها خبراء بأنها “الأولى في تاريخ تركيا”، ما أثار إشارات استفهام حول مستقبل مسار التقارب السوري- التركي بعد هذه الجولة.
من أبرز الصفقات التي عقدها أردوغان، بجولته الخليجية كانت عقد صفقة مع السعودية، لشراء مسيرات “بيرقدار” من تركيا، بالإضافة إلى “خطة تنفيذية للتعاون الدفاعي” بين البلدين، ووصفت شركة “بايكار” التركية العقد بأنه أكبر صفقة تصدير في مجال الدفاع والطيران بتاريخ الجمهورية التركية، وإلى جانب هذه الصفقة العسكرية تم توقيع عدد من الاتفاقيات الاقتصادية.
ارتباط الجولة الخليجية بمسار التقارب السوري- التركي:
أشارت بعض التقديرات إلى أن هذه الجولة منحت أردوغان، وزناً سياسياً في الشرق الأوسط، حيث لفت تحليل نشره موقع “الخليج الجديد” إلى أن الصفقة التي وقعتها تركيا مع السعودية “تظهر أن تركيا تعيد بناء العلاقات بنجاح مع الدول العربية بعد فترة من التوتر، وستعزز تطلعات تركيا لتصدير المزيد من الطائرات بدون طيار وأنواع أخرى من المعدات العسكرية في السنوات المقبلة” مضيفاً أن “بهذه الصفقة، تنضم السعودية إلى كل من قطر والإمارات والكويت، وهو الأمر الذي يعكس تنامي نفوذ تركيا الإقليمي، وسيفتح المجال على الأرجح لدول عربية أخرى للحصول على حصتها من المسيرات التركية”.
وحول ارتباط هذه الجولة بملف التقارب السوري- التركي، فبرز هذا الارتباط، قبل أن تبدأ، حيث أعرب أردوغان، في مؤتمر صحفي أجراه قبيل البدء بجولته، عن ترحيبه بلقاء الرئيس بشار الأسد، مشيراً في الوقت ذاته إلى أن شرط دمشق المتعلق بانسحاب القوات التركية من سوريا أمر لا يمكن أن يحدث، بذريعة وجود “الوحدات الكردية” بالقرب من الحدود التركية، وقال: “هناك تهديدات متواصلة لتركيا من هناك.. لذلك نحن نبحث عن مقاربة عادلة، وبعد العثور على هذه المقاربة العادلة يمكن أن نتجاوز هذه المسألة وكل المسائل”.
وفي هذا السياق، أكد مدير الاتصالات في تركيا فخر الدين ألتون، في لقاء أجراه مع صحيفة “ديلي صباح” التركية قبل يومين، أن بلاده تتطلع إلى تمكين علاقاتها بشكل أكبر مع دول الجوار، مشيراً إلى أن تركيا تواصل انخراطها مع سوريا بشكل رباعي دون شروط مسبقة وبحسن نية.
وحول الطلب السوري المتعلق بانسحاب القوات التركية بشكل كامل من سوريا، اعتبر ألتون أن انسحاب القوات التركية من سوريا “لا معنى له الآن”، مشيراً إلى أن “الوحدات الكردية” لا تزال موجودة في سوريا بالقرب من الحدود السورية- التركية.
سياسة خارجية بحلّة جديدة:
تؤكد التقديرات أن جولة أردوغان الخليجية والاتفاقيات التي تم توقيعها، هي تجلّي للسياسة الخارجية الجديدة التي رسمتها تركيا بعد فوز أردوغان، بولاية رئاسية جديدة، وتعيين حقّان فيدان وزيراً للخارجية، وبحسب التقديرات فإن هذه السياسة تحمل عنوان “صفر مشاكل”، ومسار التقارب السوري- التركي هو جزء من هذه السياسية، وفي هذا السياق نقلت شبكة “BBC” البريطانية عن الدكتور سمير صالحة أستاذ العلاقات الدولية بجامعة إسطنبول قوله: “إنه وفي ظل وضعية الانسداد في التعامل مع هذه الملفات الإقليمية أدركت أنقرة أنه لا بد من إعادة مراجعة لعلاقاتها مع العديد من العواصم الإقليمية”، كما سبق أن أكد مركز “كارنيغي” للدراسات أنه “من المرجح أن تستأنف تركيا في نهاية المطاف علاقاتها الكاملة مع سوريا، ويرجع ذلك جزئياً إلى الضغوط الداخلية، منها: مستقبل 3.4 مليون لاجئ سوري في تركيا، الذي كان أحد القضايا الرئيسية في الانتخابات الأخيرة، وخلال العام الماضي دفع أردوغان من أجل إعادتهم إلى الوطن، وكذلك الأمر بالنسبة للعمليات العسكرية التركية لمنع قيام دولة يقودها الأكراد في شمال سوريا تتطلب التعاون مع الدولة السورية، لذلك قد نرى دبلوماسية مكوكية بين أنقرة ودمشق، حيث يلعب هاكان فيدان، المدير التركي السابق للمخابرات الوطنية ووزير الخارجية الجديد، دوراً رئيسياً فيها” وخلُص التحليل إلى أنه “في هذه الحقبة التي تشهد مصالحة بين أعداء الأمس في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، لن يكون مفاجئاً أن تبادر تركيا إلى تطبيع علاقاتها مع سوريا، في تحوّل جيوسياسي كبير ذي تبعات إيجابية على العلاقات الثنائية بين إيران وتركيا”.