خاص|| أثر برس بعد مرور حوالي 10 أيام على دخول سوريا رسمياً في مبادرة “الحزام والطريق” الصينية، تُثار العديد من النقاط وإشارات الاستفهام حول دلالات هذه الخطوة وأهميتها ونقاط القوة والضعف فيها، لا سيما أن إعادة تفعيل المبادرة الصينية التي تضم ما يقارب 68 دولة، أُلحقت بالعديد من التحركات الاقتصادية والسياسية والعسكرية على النطاق الدولي، لا سيما التقارب الاقتصادي بين كل من الصين وروسيا وإيران، الذي تزامن مع مناورات صينية – روسية – إيرانية في المحيط الهندي، ما يشير إلى أن ما يحصل هو بمثابة “خطوة أولى” لتطورات لاحقة.
انضمام سوريا للمبادرة الصينية يعني استثمار وإعادة إعمار البنى التحتية:
مما لا شك فيه أن هذه المبادرة فرصة مهمة بالنسبة لسوريا التي تعاني من أزمة اقتصادية كبيرة، لكن في الوقت ذاته يؤكد الخبراء على ضرورة الاستفادة منها بشكل صحيح، حيث قالت وزيرة الاقتصاد السابقة الدكتورة لمياء عاصي، في حديث خاص لـ “أثر”: “أعتقد، أننا يجب أن نفكر إيجابياً بطريقة استثمار هذه المبادرة كعامل قوي يساعد في مرحلة إعادة إعمار البلد،لا سيما أن “الحزام والطريق” تتلخص بالاستثمار الصيني بالمشاريع الإنتاجية في البنية التحتية، خصوصاً مجالات النقل والموانئ البحرية والبرية لضمان انتقال وانسياب البضائع بين الدول المشاركة فيها”، موضحة في الوقت ذاته: “أن مبادرة الحزام والطريق، تتضمن مشاريع ضخمة، وهناك بحدود 68 دولة منخرطة بها، أي أن المبادرة هي محصلة جهود كبيرة واستراتيجية شاملة، لا نتوقع أن تسفر عن نتائج قريبة وأن تحدث آثاراً كبيرة بين ليلة وضحاها، ولكن عودة الثقة إلى الاقتصاد السوري، يمثل بارقة أمل مهمة ومن شأنه إحداث ارتدادات وانعكاسات اقتصادية إيجابية جداً”، الأمر الذي أكدته أيضاً صحيفة “ليبراسيون” الفرنسية في مقال نقلت خلاله عن مؤسس إحدى الشركات الاستشارية في الشرق الأوسط، حسن ماجد، قوله: “إن الصينيين سيعيدون بناء شبكة الكهرباء في سوريا، وسيستلمون مشاريع البنية التحتية الكبرى”.
وبحسب مجريات الأحداث في الشرق الأوسط، يبدو أن الحضور الاقتصادي الصيني لن يكون مرتبطاً فقط بالشق الاقتصادي، فمبادرة بهذا الحجم لا بد أن تكون مرتبطة بمواقف وتحركات سياسية وحتى عسكرية لحمايتها، الأمر الذي أشار إليه المحلل السياسي أسامة دنورة في حديث لـ “أثر” قال فيه: “الشراكة الاقتصادية إذا وصلت إلى مستوى استراتيجي ينتج عنها تشبيكاً سياسياً-جغرافياً، هذه قاعدة قل ما تخطئ، فلذلك إذا كان هناك تشبيك متزايد بين الصين وروسيا فيما يتعلق بالمبادرة الحزام والطريق فهذا يعني أن الدولة الصينية ستسعى أكثر لضمان أمن استثماراتها، وهو يعني أيضاً بأن الدولة الصينية ترى أن الوضع في سوريا يتجه نحو الاستقرار بحيث تصبح مثل هذه الاستثمارات أكثر موثوقية على المدى المتوسط والبعيد”.
هل من نقاط ضعف لسوريا في هذه المبادرة؟
وأمام حجم مبادرة “الحزام والطريق” التي تربط سوريا بعشرات الدول تجارياً واقتصادياً، لا بد من وجود نقاط قوة عديدة ترشّح سوريا لكي تكون خياراً للصين في مبادرتها وضمها رسمياً إليها، لكن في الوقت ذاته أشار محللون إلى بعض النقاط التي تحتاج إلى نقاش، لافتين إلى أن كون سوريا جزءاً من هذه المبادرة فقد يرتّب عليها بعض الأعباء التي تتعلق بكلفة الحضور الصيني الاقتصادي والديون التي قد تترتب على سوريا، وبهذا الصدد تقول عاصي: “بالطبع الحضور الاقتصادي الصيني سيكون له كلفة كبيرة عبارة عن قروض ولكن المديونية لن تكون سلبية إلا في حالة واحدة فقط تتمثل في أن تصرف لتغطية نفقات جارية، أما إذا تم استخدامها في مرافق حيوية وبنى تحتية وبناء منشآت إنتاجية، فإنها تعتبر نفقات استثمارية والمفروض أن يتم سداد أقساط القروض وخدمة الدين من عوائد هذه المنشآت، كما أن الشروط الموضوعة لهذه القروض يجب ألا تكون مجحفة لأنها أيضاً ستستخدم تدفق السلع الصينية إلى منطقة الشرق الأوسط وإلى مناطق أخرى” مضيفة: “أعتقد أن مناقشة الشروط ستكون على أساس السيناريو الرابح_الرابح بمعنى أن المشاريع المقترحة يجب أن تحقق مصلحة كلا الطرفين وهذا يجب أن تحدده الأولويات وجلسات المناقشات والمفاوضات للحصول على شروط مفيدة ومقبولة”.
نقاط قوة:
تشير الدكتورة لمياء عاصي في حديثها لـ”أثر” إلى أن “نقطة القوة الأساسية في هذه المبادرة، أنها تمثل مصالح دول كثيرة ورؤية وجهود عالمية مشتركة، أي أن الفرصة أفضل لتجاوز العقوبات الغربية على سوريا” وحول احتمال تأثير هذه المبادرة على العقوبات الأمريكية تقول عاصي: “لا يمكن الحديث عن إبطال العقوبات الأمريكية بدون الدخول في تفاصيل المشاريع المقترحة والآليات التي ستعمل بها، فإذا لم يتم ربط تحقيق المصالح الغربية والأمريكية من خلال هذه المبادرة وهذه المشاريع سيكون من المبكر جداً الحديث عن إبطال العقوبات الأمريكية”.
وما يجعل سوريا الخيار الأفضل بالنسبة للصين في هذه المبادرة هو موقعها الجيوبولتيكي “الجغرافي-السياسي” كبلد مفتاحي في تقاطع القارات الهام، وأيضاً بلد مفتاحي للبر الآسيوي اعتباراً من الشرق المتوسط والموانئ على البحر المتوسط، حيث يشير دنورة في هذا الصدد إلى أنه: “عندما نتحدث عن الطريق الأوسط في مبادرة الحزام والطريق من المفترض أن ينعطف من إيران باتجاه تركيا وصولاً إلى أوروبا هذا الطريق أعتقد أن الحكومة الصينية ترى أنه غير مضمون أو أنه فيه نسبة مخاطرة معينة بسبب الدور المشبوه الذي تلعبه تركيا على مستوى آسيا الوسطى وعلى مستوى تركستان الشرقية وعلى مستوى دعم المجموعات المتطرفة بما في ذلك الإيغور، لذلك من المتوقع أن الصين ترحب بأن يكون هناك مسار موازٍ وقد يكون بديلاً فيما لو قرر الصينيون استخدام جغرافيتهم الخاصة كعامل للضغط الجيوبولوتيكي والضغط السياسي على الصين أو إعاقة السبيل الأوسط لمبادرة الحزام والطريق نحو أوروبا، وطبعاً أوروبا هي من أهم المستقرات أو المقاصد في الممرات الصينية في مبادرة الحزام والطريق، لنضيف إلى ذلك بأن الساحل السوري أو ساحل شرق المتوسط يمثل ميزة إضافية بالنسبة لدول شمال إفريقيا فيها تفضيل نسبي عن الموانئ التركية”، ما يعني أن الموانئ السورية باتت تشهد تعاملات مشتركة بين كل من الصين وإيران وروسيا.
مجرد خطوة أولى:
ما يؤكد وجود خطوات لاحقة لهذه المبادرة الصينية هو التقارب الحاصل بين الصين وروسيا من جهة وبين الصين وإيران من جهة أخرى، في الوقت الذي تقود فيه كل من الصين وإيران وروسيا جبهات ضد الولايات المتحدة الأمريكية، حيث نشر موقع “المونيتور” الأمريكي سابقاً تقريراً حول هذا الملف جاء فيه: “الصفقة الصينية – الإيرانية هي أحدث الاستثمارات الصينية، تشمل الصفقة التي تبلغ قيمتها 400 مليار دولار مشاريع في مجالات الطاقة والبنية التحتية والتعاون الدفاعي وتبادل المعلومات الاستخباراتية وخصم واردات النفط إلى الصين من إيران، ومن المهم التأكيد على أنه بمجرد أن تصبح إيران جزءاً لا يتجزأ من مبادرة الحزام والطريق، فإنها ستضعف نفوذ الولايات المتحدة في الشرق الأوسط”.
تزامن هذه المبادرة الصينية التي تربط مصالح عشرات الدول مع بعضها مع مناورات إيرانية-روسية-صينية بحرية في المحيط الهندي وسط التوتر الحاصل بين هذه الدول من جهة والولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى، يمكننا فهم فكرة “الخطوة الأولى” وأن هناك تطورات اقتصادية وسياسية وعسكرية واستراتيجية قد تنتج عنها، وبديهياً فإن هذه التطورات سيكون لها أثر على كافة الدول التي تلاقي عداءً من الولايات المتحدة مثل سوريا.
زهراء سرحان