54
لم يكن الشاب عبدالقادر العبسي يجد أن وطنه اليمن أكثر أمناً عندما نجا من الغرق وتعرض لضرب مبرح وهو يحمل حقيبة هروبه على طريق الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، ومثله كثيرون يرون أن المخاطرة بالحياة أهون من البقاء في معاناة الحرب الدائرة منذ أكثر من عامين.
ويغامر عدد كبير من الشباب اليمنيين بحياتهم أثناء الهجرة غير الشرعية إلى دول عدة أهمها أوروبا. حيث ارتفعت وتيرتها عقب شن التحالف الدولي بقيادة السعودية حربه ضد تحالف الحوثي صالح في 26 مارس 2015، ذلك ما دفع الشباب للهجرة هرباً من ارتفاع معدلات البطالة إلى 70 % مع معاناة أكثر من 80 % من حالة الفقر.
الغرق أهون من اليمن
كان موسم الثلوج في أوجه عندما وصل الشاب العبسي إلى اسطنبول في 6 يناير ٢٠١٧، فانتظر شهرين حتى انتهى الشتاء وبعدها قرر الهجرة من تركيا -ذات الحدود الجغرافية من جهة الغرب مع اليونان- إلى أوروبا حيث استغرقت هجرته ٢١ يوماً بسبع محاولات برية وبحرية خطرة تعرض خلالها للسجن والضرب واحتمالات الموت.
لكن النجاة من الغرق في مياه بحر ايجه الرابط بين الدولتين هي المخاطرة الأكبر للعبسي رفقة 27 آخرين وهم في آخر محاولة للتسلل على متن قارب مطاطي (بالم) بسبب الحمولة التي تفوق قدرته الاستيعابية بأضعاف “غير أن الغرق كان بالنسبة لي أهون من العودة إلى اليمن” حد تعبيره.
ويضيف بأنه مر بمحاولة برية من إسطنبول إلى سالونيك اليونانية، فاحتجزه لمدة أسبوع الكمندوز الألماني المرابط على الحدود الأوروبية، بعدها سافر لمدينة أزمير التركية للتسلل بحراً إلا أن الجيش التركي ألقى عليه القبض “وتعرضت من قبلهم لضرب خبيث لاتزال علاماته في جسدي حتى اليوم ثم أخلوا سبيلي”.
ولا تزال المخاطر تهدد مستقبله وتنذر بفشل هجرته بالكامل حيث يقول: “أعيش حالياً في كوخ صغير بجزيرة خيوس وسط حرارة الطقس وصعوبة الحصول على غذاء ناهيك عن كون وجهتي القادمة مادية صرفة وأنا لا أملك المال الكافي”.
وعلى الرغم من استنكاره لسوء المعاملة من السلطات اليونانية وتجاهلها بشأن توفير الحماية “فقد يجتمع لضربك 5 أشخاص دون أن يتدخل أحد” إلا أنه يعتبر اليمن “سجن كبير لخمسة وعشرين مليون” في إشارة منه إلى عدد السكان الذين يشكل الشباب نحو 73% من إجمالي عددهم، حسب إحصاءات الأمم المتحدة.
الحرب وأزمة الهوية
وغالباً ما يخفي الشباب اليمنيين هوياتهم فور وصولهم إلى أي من دول الاتحاد الأوربي إذ تفرض إجراءات صارمة تصل إلى ترحيل المهاجرين القادمين من بلدان الحرب نتيجة التوافد المهول لمواطنيها، “لذلك كنت أضطر للقول إنني إرتيري وكونك يمني فأنت بالذات منبوذ من العالم”، وفق ما يشير إليه العبسي.
وكانت قبل عامين أكدت وكالة الاتحاد الأوروبي لشؤون أمن الحدود الخارجية “Frontex” عزمها استئجار 60 طائرة ركاب لإرجاع اللاجئين غير الشرعيين إلى بلدانهم كإجراء اضطراري بعد أن بلغ عدد المهاجرين بطريقة غير شرعية إلى 630 ألفاً.
وبحسب معلومات أدلى بها خفر السواحل اليوناني لجريدة الحياة اللندنية، فإن ما يزيد عن 150 يمني وصلوا إلى جزيرة خيوس منذ بداية العام الجاري وحتى مايو المنصرم.
لم أفهم كلامه فضربني
أما مشروع الهجرة لدى مشير البيضاني (21 عاماً)، فقد تطلب قدراً عالياً من الصبر على اعتداءات المهربين له، وعجزه عن مواجهتها تخوفاً من تدخل الأمن وإيداعه السجن كونه قدم بطريقة غير شرعية.
ولدى وصوله أنقره اعتدى مهرب تركي عليه للسبب الذي يذكره بألم: “كان يكلمني وما قدرت أفهم عليه فضربني” مشيراً إلى أنه كان عاجزاً عن فعل شيء “غير البكاء فأنا في بلد غير بلدي”.
ويقول البيضاني لموقع هنا صوتك إن مهرباً إيرانياً سرق حقيبته بما فيها من فلوس وأوراق عندما كان يقله بسيارته منتصف الليل ولا حيلة أمامه لاسترجاعها أو الاستعانة بالشرطة “فوكلت أمري إلى الله”.
كما يظهر مقطع فيديو من جزيرة خيوس اليونانية تخوف مشير من احتمالية الغرق مع اشتداد الأمواج نظراً لقرب الأكواخ التي يقيمون بها من شاطئ الجزيرة.
اتفاقيات ضد المهاجرين
وتبذل دول الاتحاد الأوربي مساعٍ كبيرة منذ العام 2015 لمنع تدفق المهاجرين غير الشرعيين إلى بلدانها، من بينها التفاوض مع تركيا وليبيا وباقي الدول الحدودية مع أوروبا لإعادة المهاجرين، إلا أن هذه السياسة الدولية بشأن إغلاق الباب أمام المهاجرين تضع الشباب اليمني على عتبات مستقبل مجهول.
بقلم: إسحاق المساوى