خاص || أثر برس تحتل محافظة حلب موقعاً مرموقاً على خارطة زراعة الزيتون في سورية، ولطالما تميزت المحافظة عبر عقود طويلة، عن نظيراتها من المحافظات، بجودة ثمار الزيتون وجمال أشجارها التي تحف مختلف الدروب الواصلة إلى المدينة، ما دفع بالفنان السوري الكبير صباح فخري إلى التغني بزيتون مدينته عبر إنشاد مواله الشهير “درب حلب ومشيتو.. كلو سجر زيتون”.
ومع بدء الحرب على سورية عام 2011، مرت زراعة الزيتون في سورية بشكل عام، وفي مدينة حلب على وجه الخصوص، بالعديد من المطبات التي أدت إلى تراجع واقع تلك الزراعة، وتسبب ذلك بارتفاع هائل على صعيد أسعار الزيتون وزيته الشهير المستخرج منه، والذي يدخل في معظم المأكولات الحلبية التقليدية، وفي صناعة صابون الغار الحلبي الشهير على مستوى العالم.
ولعل أبرز المطبات التي أدت إلى تراجع واقع زراعة الزيتون في حلب، تمثلت في خروج معظم الأراضي الزراعية المتخصصة بتلك الزراعة، عن سيطرة الدولة السورية، في ظل سيطرة قوات الاحتلال التركي والمجموعات المسلحة التابعة لها على مناطق ريف حلب الشمالي التي تمتلك الثقل الأكبر بالنسبة لزراعة الزيتون نظراً للمساحات الهائلة من الأراضي التي تتميز تربتها عن باقي مناطق حلب وخاصة بالنسبة لزراعة أشجار الزيتون التي يبلغ عددها بضعة ملايين من الأشجار المثمرة.
مدير زراعة حلب المهندس رضوان حرصوني، أوضح خلال حديثه لـ “أثر برس”، بأن محافظة حلب بالكامل بما فيها المناطق التي تحتلها المجموعات المسلحة التابعة للاحتلال التركي، تضم نحو 23 مليون شجرة زيتون بينها 21 مليون شجرة مثمرة، مشيراً إلى أن من بين تلك الأشجار 4 ملايين شجرة فقط ضمن مناطق نفوذ الدولة السورية تمتد على رقعة تبلغ مساحتها 30 ألف هكتار، بينما باقي الأشجار كلها تقع ضمن مناطق سيطرة المسلحين على رقعة أراضٍ تبلغ مساحتها 160 ألف هكتار.
وقال حرصوني إن منطقة عفرين في ريف حلب الشمالي بمفردها، تحتوي على 50% من إجمالي أراضي الزيتون في ريف حلب، بينما تضم منطقة الباب في الشمال الشرقي من المحافظة 4 ملايين شجرة زيتون.
وبالحديث عن معاصر الزيتون في المحافظة، أوضح مدير الزراعة لـ “أثر برس” بأن المناطق الآمنة التي استعادها الجيش السوري في ريف حلب تضم 15 معصرة زيتون منتجة، من أصل 300 معصرة منتشرة في عموم أرياف المحافظة.
وتبلغ كمية الإنتاج المتوقعة من الزيتون للعام الحالي ما يقارب 240 ألف طن في عموم أنحاء المحافظة سواء ضمن المناطق الآمنة أو باقي المناطق الخاضعة لسيطرة المسلحين، حيث أشار حرصوني إلى أن المديرية على تواصل واطلاع دائم على أوضاع الأراضي الزراعية حتى ضمن مناطق سيطرة مسلحي تركيا.
ووفق المعلومات التي ذكرها مدير زراعة حلب خلال حديثه لـ “أثر برس”، فإن الجيش السوري تمكن خلال عملياته العسكرية التي تمكن خلالها من استعادة السيطرة على أجزاء واسعة من ريفي حلب الشمالي والغربي، من استعادة نحو 80 ألف هكتار من أراضي الزيتون في حلب، تحوي 200 ألف شجرة، موضحاً بأن من ضمن تلك المساحة ما يقارب 50 ألف هكتار قابلة للزراعة بشكل مباشر.
ولا تقتصر زراعة الزيتون في حلب على الريفين الشمالي والغربي، حيث يضم ريف حلب الجنوبي مساحات واسعة من الأراضي المتخصصة بزراعة الزيتون، وخاصة في قرية “الذهبية”، والتي تحدث عدد من أصحاب الأراضي المنتشرة فيها لـ “أثر برس” حول تأثر الإنتاج في العام الحالي مقارنة بالعام الماضي، نتيجة التأخر الذي حدث على صعيد هطول الأمطار، فيما طالب المزارعون بالمزيد من الدعم الحكومي على صعيد تأمين المحروقات وتذليل بعض الصعوبات التي تواجه عملهم الزراعي.
ولعل الحديث عن زراعة الزيتون في حلب، لا يمكن أن يمر دون التطرق إلى الواقع الأليم الذي تعيشه منطقة عفرين، والتي تعتبر “بيضة القبّان” على صعيد تلك الزراعة الهامة، حيث ما تزال تلك المنطقة تشهد مع حلول كل موسم زراعي، عمليات سرقة ممنهجة ينفّذها مسلحو المجموعات التابعة للاحتلال التركي للأراضي الزراعية تحت تهديد السلاح للمزارعين، عدا عن فرض “الأتاوات” على أصحاب الأراضي بشكل مستمر، بهدف الضغط عليهم والاستيلاء على محاصيلهم لبيعها للجانب التركي بأبخس الأثمان.
كما لا تقتصر ممارسات المسلحين في تلك المناطق على السرقة وفرض “الأتاوات” وإنما تمتد بين الحين والآخر إلى حد قطع أشجار الزيتون المثمرة للاستفادة من أخشابها كحطب للتدفئة، والمتاجرة به ضمن باقي المناطق الخاضعة لسيطرتهم سواء في إعزاز أو الباب، الأمر الذي لعب دوراً كبيراً في تدهور واقع زراعة الزيتون في المنطقة.
وإلى جانب ذلك، عمد المسلحون في الموسم الحالي، إلى طريقة جديدة لنهب مواسم الزيتون، عبر فرضهم سياسة “التضمين” القسري للأراضي الزراعية مقابل مبالغ مالية زهيدة تدفع للمزارعين المجبرين على الموافقة، تحت طائلة حجز الأرض وسرقتها بشكل مباشر، في حال رفضوا “الضمان”.
ومن المتوقع أن يؤثر انخفاض إنتاج الزيتون في العام الحالي، بشكل مباشر على أسعار زيت الزيتون في البلاد، والحديث عن الزيت “الصاغ” غير المغشوش، الذي من المتوقع أن يتجاوز سعر “التنكة” منه عتبة المئة الألف ليرة سورية، فيما تتفاوت الأسعار صعوداً أو هبوطاً بحسب جودة الزيت.
يذكر أن تقديرات إنتاج الزيتون في عموم سورية للعام الحالي، تبلغ بحسب تصريحات المعنيين في وزارة الزراعة ما يقارب 850 ألف طن، حيث تحتل حلب المرتبة الأولى على صعيد إنتاج الزيتون بين كافة المحافظات السورية، تليها محافظة إدلب والتي من المتوقع أن يصل إنتاجها إلى نحو 180 ألف طن.
زاهر طحان – حلب