تجبر الفصائل المسلحة التابعة لـ “قسد” والمنتشرة في مناطق ريف دير الزور الشرقي، الواقعة شرق الفرات ، المدنيين على إعلانهم الولاء المطلق لها، وتأخذهم بالقوة نحو ممارسة ما يؤكد ذلك إعلامياً، والحديث هنا عن المناطق القريبة من حقول النفط الأساسية في سورية، دوناً عن بقية مناطق ريف دير الزور الذي تنتشر فيه “قوات سوريا الديمقراطية”، بالتزامن مع وضوح أمريكي بتحديد هدف السيطرة على منابع النفط كسبب وحيد لبقاء قوات الاحتلال الأمريكي في سورية.
يمكن وصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالأكثر صدقاً من بين أسلافه من حكام البيت الأبيض، إذ أنه يذهب نحو الحديث بمنتهى الشفافية – إن صح التعبير- عن عدم جدوى الوجود في مناطق الشمال السوري بالنسبة لواشنطن، ويعتبر أن ما يسميه حماية النفط هي الهدف، وبالتالي فإن عدداً أقل من القوات الأمريكية سيبقى في سورية، وعلى “قسد” ، أن تجعل من هذا الهدف أولوية وتخلي مناطق الشمال لتنتشر في محيط الآبار النفطية وحسب، ولم يكن ترامب بحاجة للشعارات الرنانة التي أطلقها أسلافه حول نشر الديمقراطية والسلام في الشرق السوري.
الأتراك الذين هاجموا الشمال لمحاربة “قسد”، وإقامة محمية إخوانية يتم توطين من يروهم مناسبين فيها، استفادوا من وضوح ترامب في الهدف، فالرئيس الأمريكي ليس مستعداً لتحميل الخزينة الأمريكية نفقات كبيرة للحصول على مقدرات سورية من النفط، والانتشار على بقعة جغرافية واسعة تمتد من منبج في ريف حلب الشرقي وحتى الحدود مع العراق، لا يحقق الربح المالي الذي تريده واشنطن من سرقة النفط السوري المستمرة منذ ثلاث أعوام تقريباً، وبعض الحقول كـ رميلان – السويدية، تنهب منذ سبع سنوات، لذا جنح ترامب نحو خفض النفقات للحصول على النفط بأقل تكلفة ممكنة.
إن بقاء بعض الفصائل المنضوية تحت راية “قسد”، مثل “مجلس دير الزور العسكري”، على مواقف الإدارة الأمريكية وعدم الجنوح نحو بحث تسوية ملف المنطقة الشرقية مع الحكومة السورية، يجعل مناطق شرق الفرات مجددا عرضة لاحتمالات اشتعال الميدان، وهو اشتعال قد يكون بحرب داخلية بين مكونات “قسد”، بعد بروز طموحات قائد ما يسمى بـ “مجلس دير الزور العسكري” المدعو أحمد أبو خولة، والذي عارض توجه “قسد” نحو الحوار مع الدولة السورية معتبراً أنه لن يكون ملزماً بأي بند من أي اتفاق يمكن التوصل إليه.
والاحتمال الثاني هو توسع دائرة الاشتباك بين “قسد”، والخلايا المجهولة الهوية التي تهاجمها في مناطق شرق الفرات، والتي يعتقد بأنها تتبع لتنظيم “داعش”، فيما يأتي احتمال العملية العسكرية السورية في مناطق شرق الفرات، قائماً لجهة حاجة دمشق لاستعادة السيطرة على ثرواتها، وفي مثل هذا السيناريو، لن يكون ثمة إمكانية للحديث عن عملية طويلة، فالفصائل المنتشرة في مناطق ريف دير الزور أقل قدرة وتمرساً في القتال من نظائرها في إدلب، وهي لا تمتلك عقائد القتال حتى الموت أو العمليات الانتحارية.
تتسم المرحلة التالية في المنطقة الشرقية من سورية، بالكثير من الدقة والوضوح، الأتراك أعلنوا هدفهم، والأمريكيين لا يفكرون سوى بنهب النفط السوري ، فيما تبحث القوى الكردية السياسية والمسلحة عن ضمانات بقاء قد تقدمها موسكو، فيما تعتبر الدولة السورية هي الأكثر ثباتاً في المشهد، مع إصرارها على استعادة كل شبر من أراضيها وخروج القوات الأجنبية الموجودة بشكل غير شرعي.
محمود عبد اللطيف – أثر برس