يتناسب الإعلان عن مقتل متزعم تنظيم “داعش” المدعو أبو بكر البغدادي ، والعقلية الأمريكية في صناعة النصر الإعلامي على التنظيمات المتشددة، فمقتل “أسامة بن لادن” كان بمثابة انتصار أمريكي في أفغانستان، ومن بعده “أبو مصعب الزرقاوي” في العراق، وبما أن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد قرر الخروج من الأراضي السورية والبقاء فقط في مناطق النفط، كان لابد من الإعلان عن مقتل البغدادي، لتؤكد إدارته للشارع الأمريكي أن مهمة القضاء على “داعش” أنجزت، وما بقي من تنظيمات هو مسؤولية دول أخرى غير واشنطن.
إن صح نبأ مقتل مؤسس تنظيم “داعش”، داخل أراضي محافظة إدلب فإن ذلك يؤكد على أن تنظيم “حراس الدين”، الذي لا يوالي “جبهة النصرة”، أمّن للبغداي ملاذاً آمناً في المحافظة التي تعج بالتظيمات المعادية لـ”داعش” برغم “أخوة المنهج” وليس من الضروري الذهاب نحو الاعتقاد بأن زعيم “جبهة النصرة” المدعو “أبي محمد الجولاني”، أو أحداً من قياداته، والبحث في تفاصيل التنفيذ أيضاً إن تم بمعرفة تركيا أو بدونها غير مجد، الأهم هو إثبات مقتل البغدادي فعلاَ، ومن ثم ما هي الخطوة التالية بالنسبة لواشنطن على مستوى محاربة التنظيم الذي أسسه، إن كانت فعلاً قد حاربته في سورية.
مقتل متزعم التنظيم المختبئ منذ سقوط بلدة “باغوز فوقاني” بيد الاحتلال الأمريكي لا يعني نهاية “داعش”، ففي شهر آب الماضي تناقلت المواقع الجهادية ومعرفات تنظيم “داعش، على مواقع التواصل الاجتماعي خبراً عن تعيين “البغدادي” لـ “عبد الله قرادش” نائب له، وهو عراقي الجنسية يلقب بـ “أبو عمر التركماني”، ويعد من أكثر شخصيات التنظيم قسوة وتشدداً، وعلى ذلك كان من المتوقع بالنسبة لقيادات “داعش” أن يتم استهداف زعيمهم، ولكي يتجنب انهيار ما تبقى من معنويات لمسلحي التنظيم بعد خسارتهم كامل الجغرافيا التي كانوا يسيطرون عليها في سورية والعراق، فعيّن قرداش كـ “ولي عهد” لـ “خليفة” تنظيم “داعش”.
قتل “البغدادي”، أم لم يقتل، فإن التنظيم لم ينته بعد، والمخاوف من إعادة تشكيله ما تزال قائمة لكون المتشددين الذين كانوا يشكلون قوامه العسكري مازالوا قابعين في سجون تحت سيطرة “قسد”، ومن غير المضمون بقائهم فيها إن كانت الأخيرة تستخدمهم كورقة ضغط، كما أن عدداً لا يستهان به من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ١٤ – ١٨ عاما، والمؤمنين بعقائد التنظيم يقطنون مخيمات كـ “الهول” في ريف الحسكة الشرقي، ومن غير المضمون عدم تحولهم إلى مسلحين في “داعش”، أو أي تنظيم تكفيري جديد ما دامت دولهم الأم ترفض استعادتهم.
لا يعدو خبر مقتل “البغدادي”، عن كونه خبراً سياسياً بالدرجة الأولى، سواء أقتل فعلاً أم لم يقتل لكن بهذا الخبر يكون دونالد ترامب، قد تفوق على سلفه باراك أوباما، بالإعلان عن القضاء على تنظيم “داعش”، ولابد من التذكير بأن مقتل “أسامة بن لادن”، في أيار من العام ٢٠١١، سبق إعادة انتخاب “أوباما”، رئيسا لأمريكا لولاية ثانية في تشرين الثاني من العام ٢٠١٢، فهل يمهد ترامب للدخول في سباق الانتخابات في العام القادم بأوراق قوية مثل مقتل” البغدادي” والانسحاب من سورية، واستمرار تحقيق مكاسب مالية جديدة للخزينة الأمريكية من خلال فرض أتاوات جديدة على شركاء واشنطن، من الخليجيين وسواهم.
محمود عبد اللطيف – أثر برس