بأي وسيلة ممكنة تسعى تركيا لعرقلة عمليات الجيش السوري في محافظة إدلب والتي تهدف لاستعادة السيطرة على الطريق الدولي “M5”.
فبعدما بدا أن القوات التركية على وشك بدء عملية عسكرية في المنطقة لوقف تقدّم الجيش السوري وقيامها بتأمين تغطية نارية للمسلحين عبر هجوم فاشل على بلدة النيرب، وما ارتبط به من تصعيد سياسي عبر جملة التهديدات التي أطلقها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والتي لم يكن لها أي فعالية في التأثير على العمليات العسكرية، يبدو أن تركيا اختارت العودة إلى الضغط عبر القنوات الدبلوماسية بعد أن اكتشف أن الضغط السياسي والعسكري لم يحققا أي فعالية.
حيث عادت تركيا إلى الحديث عن أهمية التنسيق مع روسيا، والإبقاء على نقاط المراقبة، وعدم بدء أيّ قتال، وفي هذا الإطار قال متحدث باسم الخارجية التركية أول أمس: “جرت في أنقرة مباحثات استغرقت 3 ساعات، بين وفد تركي برئاسة نائب وزير الخارجية سيدات أونال، ووفد روسي رأسه نائب وزير الخارجية سيرغي فيشينين، إلى جانب المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى سورية ألكسندر لافرينتييف “، وتابع قائلاً إن “الطرفين بحثا الوضع في إدلب، فضلاً عن الخطوات اللازمة لدفع العملية السياسية إلى الأمام”، إلا أن الأنباء التي ظهرت أمس الاثنين قد تشير إلى أن تلك المحادثات لم ينتج عنها حلول مرضية لتركيا بإيقاف العمليات العسكرية للجيش السوري، حيث أفادت وسائل إعلام سورية بقيام قوات الاحتلال التركي بالتمهيد الناري من جديد لـ”جبهة النصرة ” لشن عملية عسكرية على محور سراقب – النيرب، بهدف إعادة السيطرة على أجزاء من طريق “M5”.
وفي ظل كل ذلك يواصل الجيش السوري عملياته العسكرية متمكناً من استعادة السيطرة على المزيد من القرى والبلدات التي تحكم السيطرة على “M5” الواصل بين حلب ودمشق في ظل تأكيد العديد من التقارير أن تركيا تقوم بالضغط على “جبهة النصرة” لمنع استعادة الجيش السوري السيطرة على الجزء الصغير المتبقي من الطريق في ريف حلب الجنوب الغربي.
كل تلك الأحداث والمعارك التي تحدث تضع تساؤل مهم ما هي أهمية طريق “M5” ولماذا تسعى تركيا لمنع استعادته من قبل الجيش السوري؟
يعتبر طريق M5 من أهم الطرق في سورية على مختلفة الأصعدة حيث يعتبر الأطوّل في البلاد ويبلغ طوله نحو 432 كيلومتراً، ويعتبر طريقاً أساسياً للاستيراد والتصدير، والّذي يربط أبرز مدن سورية ببعضها البعض، من حلب العاصمة الاقتصادية شمالاً مروراً بحماة وحمص في الوسط ثم دمشق ودرعا جنوباً وصولاً إلى الحدود السورية ـ الأردنية، لذلك يكتسب أهمية اقتصادية كبيرة.
فاستعادة الجيش السوري سيطرته على الطريق تعني بأن الدولة السورية باتت تربط 5 مدنٍ رئيسية في البلاد وهي حلب، حماة، حمص، دمشق، درعا، وبالتالي ربط الشمال السوري بجنوبه، ما من شأنه تنشيط الحركة الاقتصادية الداخلية بين جميع المحافظات السورية لاسيما أن الثروات الصناعية والمناطق الخصبة والمدن الصناعية تتوزع على جانبيه.
أما على صعيد التجارة الخارجية فإن إعادة فتح الطريق من شأنها أن تزيد حجم التعامل التجاري بين سورية والأردن لاسيما وأن المعبر الحدودي مع الأردن قد فُتح منتصف أكتوبر الماضي، كما أن الصادرات السورية والبضائع الحلبية سيسهل نقلها إلى الأردن ومنها إلى دول الخليج لأن فتح الطريق من شأنه تقليص المسافة الحالية بين دمشق وحلب نحو 175 كيلومتراً بعد الاستغناء عن طريق أثريا ـ خناصر الصحراوي.
ومما سبق يبدو من الواضح بأن استعادة الجيش السوري للطريق من شأنه أن يزيد من استقرار الدولة السورية اقتصادياً وتثبيت عمادها أكثر فأكثر، وهو الشيء الذي لا ترغب تركيا بحدوثه كونه سيزيد حالة الاستقرار في البلاد ما من شأنه التأثير على المناطق التي احتلتها في الشمال بالإضافة إلى أنه سيخسرها الكثير من الأوراق في حال حدوث توافق دولي على الوصول إلى حل سياسي ستكون الدولة السورية هي الرابح الأكبر فيه كونها باتت تمسك بمعظم مفاصل البلاد.
رضا توتنجي