لازالت السياسة الأمريكية التوسعية مستمرة من تدخل في شؤون الدول التي تخالف مطامعها، من تدخل عسكري مباشر إلى إثارة للفتن أو محاربة للشرعية في تلك الدول ودعم التطرف خدمة لمصالحها إضافة إلى أطماعها بمقدرات وثروات تلك الدول وصولاً إلى تطبيقها الحصار الجائر بحق شعوبها، وماجرى في سورية كان كل ماسبق ذكره.
عند الحديث باختصار شديد عن المراحل البارزة للوجود الأمريكي غير الشرعي في سورية والذي انحصر في منطقة شرق الفرات إلى جانب الدعم الذي تقدمه الإدارة الأمريكية بشكل غير مباشر للمجموعات المسلحة، يمكن تلخيصه بثلاثة مراحل:
- مرحلة التدخل العسكري بذريعة محاربة تنظيم “داعش” والذي تم الكشف عن الدور الأمريكي المباشر بالتنسيق والدعم اللوجستي الذي قدمه للتنظيم، والتي أكدت خلالها الكثير من المنظمات الحقوقية الدولية على أن الطيران الأمريكي خلال حربه المزعومة استهدف مناطق المدنيين أكثر من مناطق انتشار “داعش”.
- مرحلة الانسحاب الأمريكي من الشمال السوري تسهيلاً للعدوان التركي العسكري الذي بدأته تركيا في تلك المناطق، وتم خلال تلك الفترة أيضاً الحديث عن احتمال انسحاب أمريكي كامل من سورية والتخلي عن “الوحدات الكردية” وأوحى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى هذا الأمر بتصريحاته، في حين أن ما حدث هو حصر وجود قوات الاحتلال الأمريكي عند حقول النفط السورية، مع استمرار الدعم لـ”قسد” إلى جانب الحديث عن مجموعات جديدة تسعى واشنطن لتشكيلها شرقي الفرات.
- المرحلة الحالية التي تشهد تحركات أمريكية كثيرة تعزيزاً للوجود اللاشرعي، مع غياب التصريحات السياسية للمسؤولين الأمريكيين حول هذا الوجود في مناطق شرق الفرات أو سورية بشكل عام، في حين يتم التركيز عن الحصار اقتصادي بعنوان “حماية حقوق الشعب السوري” والذي هو يستهدف بشكل مباشر لقمة عيش هذا الشعب.
المراحل المذكورة بالتأكيد لا يمكن فصلها عن بعضها فهي خطة أمريكية متكاملة، تهدف إلى تحقيق مصالح واشنطن في المنطقة عبر حماية “العمق الإسرائيلي” من جهة الشرق فالبداية كانت تبرير التدخل العسكري في سورية بذريعة محاربة تنظيم “داعش” والدعم المباشر لـ “قوات سوريا الديمقراطية-قسد” التي تخدم مصالح هذا التدخل، إلى جانب الحفاظ على التوتر في العديد من المناطق السورية مثل إدلب والمناطق التي تحتلها تركيا شمالي سورية من خلال دعم المجموعات المسلحة هناك.
وأبرز ما تتسم به هذه المرحلة هو غياب الإجراءات العسكرية بشكل كامل باستثناء بعض الإجراءات التي باتت اعتيادية شرق الفرات كعمليات الإنزال وإدخال آليات عسكرية وغيرها، لكن الإجراءات التي يتم تسليط الضوء عليها خلال هذه الفترة هي زيادة الدعم المادي لـ”قسد” لحمايتها من تبعات “قيصر” الذي تفرضه الإدارة الأمريكية ذاتها على الدولة السورية، فرفعت “قسد” أجور المنتسبين إليها، وذلك بهدف إيصال فكرة مفادها أن من ينزل عند رغبة أمريكا لن يتأثر بعقوبات اقتصادية ولا بحصار، لكن لا بد من العودة في الذاكرة إلى تصريح مهم أدلى به المتحدث باسم وزارة الدفاع الأمريكية جوناثان هوفمان، حيث أكد فيه أن أمريكا تموّل “قسد” من بعض عائدات النفط السوري الذي تستثمره والذي تمنع وصوله إلى الدولة السورية.
واضح أن الولايات المتحدة فقدت الأمل من تحقيق أهدافها السياسية من خلال الحرب العسكرية والترويج لمصطلحات (الحقوق والحريات والديموقراطية) وباتت تعتمد على فكرة الضغط والتجويع على الشعب السوري، فنفذت حصارها الاقتصادي على الشعب السوري في الوقت الذي أغرت بالأموال من ينتسب لـ “قسد” والتي تمولها من ثروات سورية النفطية المنهوبة، وذلك بعد التضييق عليهم لأقسى حد في المعيشة من خلال ممارسات “قسد” من انتهاكات بحق أهالي تلك المناطق إلى الاستيلاء على مؤسسات الدولة السورية وتعطيل العمل فيها، حيث شهدت مناطق شرق الفرات قبل أيام مداهمة “قسد” لمركز المؤسسة السورية للحبوب ومبنى مؤسسة الكهرباء وطرد الموظفين من هذه المباني والسيطرة عليهم، إلى غيرها من الممارسات التي تهدف إلى إيقاف أعمال أهالي تلك المناطق وتضييق سبُل المعيشة، وبهذا نكون حقيقة أمام سلاح أمريكي يعمل على استهداف العقول وجعل الفرد عاجز تماماً عن محاكمة الأمور بطريقة عقلانية وتحديد أولوياته بالشكل المناسب عبر جعل لقمة عيشه هو همه الأول.
زهراء سرحان