أثر برس

“الأرز بالحليب”.. تراثٌ لذيذ من سوريا إلى كل العالم

by Athr Press G

خاص || أثر برس السابع من آب.. من كان يتخيل أن لـ “الأرز بالحليب” يوم عالمي! وكم كان لهذه الأكلة الشرقية من أهمية ومكانة خاصة حتى بات لها يوم عالمي؟

“كل ما يبرد بيطيب” تعبير شعبي ألفناه، يشير إلى كيفية تناول هذه الحلوى التي اعتدنا عليها في ثقافتنا السورية، وانتظارها حتى تبرد، والرز بحليب ليست مجرد أكلة شعبية حلوة المذاق في سوريا، هي تاريخ من الذكريات في وجداننا جميعاً، فلا بد للطعم أن يعيدك مباشرة في رحلة عبر الزمن إلى حيث كانت الأمهات والجدات تعد “زبادي” الأرز بالحليب وتزينها وتبردها.

ولطالما كان للأرز بالحليب خصوصيته في فترات معينة على رأسها شهر رمضان، فهو ذلك الطبق من الحلوى العربية التي تمتاز بمذاقها اللذيذ وسهولة صنعها، ولا يعتقد كثيرون أن للأرز بالحليب حكاية فهو أكلة موصوفة بمكوناتها.

لكن تاريخياً، يقال إن طبق الأرز بالحليب بوصفته الحالية ظهر لأول مرة في عصر الدولة الأموية، حيث طلب “يزيد ابن المهلب بن أبى صفرة” من الخدم صناعة حلوى خاصة له، فصنعوا الأرز بالحليب وأسموه “المهلبية”، وذاع صيت هذا الطبق في القرن الخامس عشر الميلادي في عهد الدولة العثمانية، حيث كان الأطباء يصفونه كعلاج لمشاكل المعدة، بيد أن شهرته في سوريا لم تتضاءل مع مرور السنين، فكان الطبق اللذيذ والمُزين حاضراً على الدوام على موائد المناسبات والأعياد، حتى أنه تحول إلى أحد ركائز أعمال درامية، وجزءاً من مشهد البيوت العربية القديمة، ورفيقاً للجلسات المعتادة “أمام البحرة وتحت النارنجة”.

وتعتبر أكلة “الأرز بالحليب” نمطاً حلوانياً قائماً بحد ذاته، إذ تقول “ستات البيوت” إن هناك أكثر من 1200 نوع أو وصفة لإعدادها، تختلف فيها المكونات والقوام وطريقة التزيين، ولكل نوع مناسبات خاصة يقدم خلالها، كما أن بعض الوصفات شتوية وأخرى صيفية، وقد تفرّع عن “الأرز بالحليب” أكلات مختلفة، مثل “كشك الفقراء”، “الألماسية”، “المحلاية”، و”الهيلطية” وغيرها.

ولا جدال بأن لهذه الأكلة الشعبية أهمية كبيرة عند معظم السوريين في المدن والأرياف وفي المحافظات، لكونها مرتبطة بعادات وطقوس عريقة عند الغالبية العظمى، لكن ومع انتشار أنواع جديدة من الحلويات والضيافات، تراجع انتشار “زبدية الرز بحليب” تدريجياً، أو بدأت بأخذ أشكال مختلفة أكثر عصرية وأقل مكونات.

ولعل أحد عوامل انتشار “الأرز بالحليب” هو تكلفتها القليلة نسبياً، مقارنة مع أنواع أخرى من الحلويات التقليدية، لكن ومع ارتفاع أسعار المواد الداخلة في إعدادها اليوم، لم تعد “الأرز بالحليب” أكلة الفقراء، أو في متناول الجميع، شأنها شأن أنواع أخرى من الحلويات التي غابت عن موائد السوريين.

كم يكلف الرز بحليب اليوم؟

بعملية حسابية بسيطة لمكونات هذا الطبق والمتعارف عليها، فقد كانت تكلفة إعداد كيلو رز بحليب كما يلي: (حليب 1000 ليرة وسطياً)، كيلو الرز 2900 (يحتاج كاسة رز أي 800 ليرة تقريباً)، سكر 2000 ليرة (وقد يحتاج كأس سكر أي 500 ليرة)، ونشاء وماء زهر وغاز ما يعادل (1000 ليرة سورية).

وعليه يكون ناتج تكلفة كيلو واحد فقط من الرز بحليب هو 3300، ما يكفي لملء 5 زبادي، ليصبح ناتج تكلفة زبدية واحدة منها 660 ليرة سورية.

هل غاب الرز بحليب فعلاً؟

تقول إحدى السيدات لـ”أثر” وهي ربة منزل: “بين استهلاك الغاز لطهي وجبة الغداء أو طهي نوع من الحلويات كالرز بحليب.. سأختار وجبة الغداء وأشتري نوع حلويات بنفس سعر الرز بحليب دون أن أستهلك الغاز”.

سيدة أخرى شبه مؤيدة لهذا الرأي تضيف: “لكن يبقى لهذه الأكلة لذتها وخاصة أننا لم نعد نعدها بشكل مستمر مثل أيام زمان.. لن أمنع نفسي عن إعدادها ولو مرة أو مرتين كل عام على الأقل”.

أما عن أسباب تغييب هذه الأكلة عن الموائد فهي واضحة، ارتفاع الأسعار الذي يرافقه وعود لم تتحقق بالانخفاض، إذ توقع رئيس جمعية الألبان والأجبان عبد الرحمن الصعيدي أن يطرأ انخفاض ملموس بأسعار الحليب ومشتقاته خلال شهر من بداية العام الحالي، ليصل إلى الـ25 بالمئة تقريباً وذلك يعود لأسباب أبرزها توقف التصدير إلى لبنان حالياً بسبب الوضع الراهن وتداعيات كورونا، لكن أسعار الحليب لم تنخفض وفقاً للوعود الحكومية، أما السكر والأرز فهما رهينة تطورات سعر الصرف لأنهما خاضعان لعملية الاستيراد غالباً.

ولعل أكلة “الأرز بالحليب” تتصدر قائمة الحلويات التراثية السورية، التي يفتخر السوريون بعراقتها وفرادتها وطقوسها الخاصة، لكن ورغم تمسك السوريين بهذا التراث، إلا أن أزماتهم الاقتصادية غير المسبوقة يبدو أنها باتت قادرة على تغيير التراث، أو تغييبه، أو محوه.

غنوة المنجد

اقرأ أيضاً