نشاط دبلوماسي لافت أبدته روسيا في الشرق الأوسط، خلال الأيام الثلاثة الفائتة، حيث التقى وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، نظيره الإيراني أمير عبد اللهيان قبل بيوم من لقاء جمعه مع نظيره التركي مولود جاويش أوغلو، ليلتقي اليوم الخميس نظيره الإماراتي عبد الله بن زايد في موسكو.
اللقاءات الثلاثة كان على أجندتها ملفات مشتركة أبرزها ملفي أوكرانيا وسوريا، حيث أشاد لافروف خلال لقائه بوزيري الخارجية الإماراتي والإيراني بموقف بلادهما إزاء حرب أوكرانيا الذي وصفه بـ “المتوازن والموضوعي”، وبالنسبة لتركيا رحّب لافروف، بامتناع أنقرة عن المشاركة في العقوبات الأحادية الجانب المفروضة على روسيا.
وبما يتعلق بالملف السوري، فأكد لافروف وعبد اللهيان أنهما بحثا مواصلة تنسيق الإجراءات بشأن التسوية السورية، كما أكد وزير الخارجية الروسي خلال لقائه بنظيره الإماراتي اليوم الخميس في موسكو، على ضرورة تنشيط الجهود لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، حيث قال: “بحثنا الوضع في سوريا والعملية السياسية وإعادة الإعمار”، وذلك بالتزامن مع البيان الأمريكي-الأوروبي الذي أكد عن رفض أي جهود لإعادة الإعمار في سوريا.
أما الحوار الروسي – التركي بخصوص الملف السوري، فيأخذ طابعاً مختلفاً نتيجة تشابك العلاقات والمصالح بين الطرفين على الساحة السورية، وبخصوص هذا التفصيل قال مدير الدائرة الأوروبية بوزارة الخارجية الروسية، يوري بيليبسون: “يستمر تعاوننا مع الجانب التركي في المسار السوري بشكل اعتيادي، ولم نلاحظ فيه أي تغييرات ناجمة عن عوامل خارجية مثل أحداث أوكرانيا”، وفقاً لما نقلته وكالة “نوفوستي” الروسية.
وأضاف بيليبسون أن “التعاون الثنائي بين موسكو وأنقرة في هذه المسألة مبني بالدرجة الأولى على البراغماتية والمنفعة المتبادلة”.
وزارة الخارجية الروسية أكدت قبل عقد هذه اللقاءات الديبلوماسية على حجم أهميتها في هذه المرحلة، حيث أصدرت بياناً حول اللقاء بين لافروف وأوغلو قالت خلاله: “إن هذا اللقاء سيعزز الرؤية الاستراتيجية للمشاكل الدولية الملحة، مع مراعاة المصالح الوطنية للبلدين”، وكذلك أعلنت عن اللقاء بين لافروف وعبد اللهيان بقولها: “وزيرا الخارجية سيقومان بضبط عقارب الساعة بشأن المواضيع الإقليمية الأخرى ذات الصلة، بما في ذلك الوضع في بحر قزوين وأفغانستان والقوقاز ومنطقة الخليج واليمن، فضلاً عن التسوية في الشرق الأوسط”.
يشير الخبراء إلى أن روسيا تسعى خلال هذه الفترة إلى تعزيز أوراق قوتها في الشرق الأوسط، من خلال تعزيز تحالفاتها وعقد المزيد من الاتفاقات والمحافظة على فاعلية دورها في الملفات السياسية والديبلوماسية والحفاظ على مكانتها وقوتها بالرغم من الحرب التي تخوضها في أوكرانيا، في محاولة للتغلب على العقوبات المفروضة عليها من قبل الولايات المتحدة وأوروبا، الأمر الذي برز بوضوح بتصريح لافروف الذي أعلن فيه أن بلاده تلقت ضمانات خطية من الولايات المتحدة بأن الاتفاقية الدولية الجديدة مع إيران لن تؤثر على التعاون بين موسكو وطهران”، حيث لفتت صحيفة الروسية في تقرير لها إلى أنه “من المهم بالنسبة لروسيا، التي وجدت نفسها تحت نير العقوبات الغربية أن تضمن في ضوء الصفقة المقبلة، التعاون دون عوائق مع إيران، فإن الولايات المتحدة، التي فرضت حظراً على استيراد النفط الروسي، والأوروبيين، الذين يخططون للتخلي التدريجي من موارد الطاقة الروسية، مهتمون بالذهب الأسود الإيراني”.
أما بما يتعلق بسوريا، فيشير الخبراء إلى أن هذه البلد سبق أن كان البوابة الديبلوماسية التي خلقت منها روسيا علاقات ومصالح مع العديد من الدول في الشرق الأوسط، حيث تجمعها مع إيران وتركيا مسار أستانة حيث سبق أن علّق الباحث الزائر في معهد الشرق الأوسط (MEI) بواشنطن، وخبير المجلس الروسي للشؤون الدولية، أنطون مارداسوف، على هذه المحادثات وحجم فاعليتها بقوله: “لا يمكن لموسكو التخلي عن صيغة أستانة، لأنه من المهم بالنسبة لها أن تكتسب خبرة في بناء تحالفات غير رسمية مع دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا” مضيفاً: “في ظروف وجود اتفاقيات بين الولايات المتحدة واللاعبين الإقليميين الآخرين، تحاول روسيا أيضاً بناء سلسلة من التحالفات من أجل أن يكون لها مجال نفوذها الخاص، الأمر الذي يوفر لموسكو وسيلة للعب على التناقضات بين واشنطن وشركائها في المنطقة، كما كان الحال في سياق تطور العلاقات الروسية المصرية على خلفية مؤشرات ضعف اتصالات القاهرة مع واشنطن” وفقاً لما نقلته صحيفة “نازافيستيا غازيتا” الروسية.