خاص|| أثر برس مرّت العلاقات (السورية – الخليجية) خلال السنوات العشرة الماضية، بـ “تشنجات” كثيرة نتيجة لمواقف السعودية والإمارات وقطر المناهضة للحكومة السورية، وذلك على خلفية الأزمة التي بدأت في عام 2011 والتي برز خلالها الدور الإيراني الحليف والداعم الأكبر للدولة السورية، ما دفع بالدول الخليجية رفع حدّة العدائية مع دمشق معتبرةً أنّ الوجود الإيراني في سوريا “عثرة” في طريق عودة العلاقات السورية – الخليجية.
التحولات البارزة في العلاقات (السورية- الخليجية)
خلال السنوات الثلاث الماضية بدأت الإمارات بتغيير سياستها اتجاه سوريا، وأُعلن ذلك في كانون الأول عام 2018 عندما أعادت افتتاح سفارتها بدمشق بعد قطيعة دبلوماسية تزيد عن 6 سنوات، ثم تلى ذلك اتصالات وزيارات رسمية بين رؤساء وكبار المسؤولين في البلدين واختتمت مؤخراً بوصول الرئيس بشار الأسد، إلى الإمارات ولقائه بولي عهد أبوظبي محمد بن زايد آل نهيان، ومحمد بن راشد آل مكتوم حاكم دبي في 18 أذار 2022.
أمّا على محور العلاقات (السورية – السعودية)، قُطعت منذ 10 سنوات، إلا أنه برز مؤخراً دفع روسي واضح في محاولة لإعادة التشبيك الدبلوماسي بين دمشق والرياض، وتمثل ذلك، بزيارة المبعوث الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف للرياض، ولقائه وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، بحضور كبار المسؤولين الأمنيين بالرياض، ثم زيارته دمشق ولقائه بالرئيس الأسد، وكبار المسؤولين الأمنيين أيضاً، الأمر الذي يمكن تفسيره بوجود تطورات واضحة في طريق إعادة الدفء إلى العلاقات السورية – السعودية، وإنّ لم يكن علنياً حتى الآن.
كيف يمكن تفسير هذا التقارب الخليجي من سوريا؟
وفي سياق تفسير هذه التحولات بالموقف الخليجي، أشار الكاتب والباحث السياسي مـحمد نادر العمري لـ “أثر” إلى وجود عوامل ساهمت في تحقيق التقارب السوري – الخليجي كتأثير الوضع الاقتصادي الذي أصاب البيت الداخلي للدول الخليجية بعد جائحة كورونا، إضافة إلى وصول الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى السلطة ومحاولته الاعتماد على قطر والدفع بها لتكون عرابة دول الخليج على حساب الإمارات والسعودية، الأمر الذي زاد من نقمة واستفزاز البلدين الأخيرين عليها.
تأثير إيران على التطبيع الخليجي مع دمشق؟
يشير العمري أيضاً إلى تطورات مرتبطة بإيران التي تعتبر من أهم حلفاء الدولة السورية على التطبيع الخليجي مع الدولة السورية حيث قال: “إن تقارب وجهات النظر بين سوريا وبعض الدول الخليجية يأتي في سياق تطورات عدّة حصلت وأبرزها أنّ إيران باتت اليوم على أعتاب توقيع اتفاق نووي مع مجموعة (5+1) وهذا بالتأكيد سيؤثر على موقع إيران ويزيد من قوتها بعد أن ترفع العقوبات الاقتصادية عنها”.
وأضاف العمري أنّ “الدول الخليجية لم تتمكن من مواجهة إيران خلال الفترة التي كانت فيها طهران تحت العقوبات، وهذا بالتأكيد لن يجعلها في المرحلة المقبلة قادرة على التفكير بمواجهتها بعد توقيع إيران للاتفاق النووي ويجعلها أكثر انفتاحاً في علاقاتها الخارجية”.
التقارب السوري – الخليجي يتزامن مع تقارب خليجي-إيراني:
يشير المحللون أيضاً إلى التقارب الخليجي – الإيراني الذي شهدته المرحلة الأخيرة، لافتين إلى أن التطورات والتحولات في العلاقات (السورية- الخليجية) جاءت في الوقت الذي لا تزال فيه العلاقات (السورية – الإيرانية) متينة وأكثر قوة، ما يشير إلى وجود تحولات هامة في المنطقة وخاصة فيما يتعلق بمسار العلاقات الخليجية – الإيرانية، حيث يرى في هذا السياق، الكاتب والباحث السياسي الدكتور طالب إبراهيم في حديث لـ “أثر” أنّ التقارب الخليجي – الإيراني لم ينقطع، فمن جهة السعودية والاتصالات المستمرة مع طهران عبر العراق حتى الآن رغم كل الأحداث التي جرت، ومن ناحية الإمارات، فهناك محاولات لإطراء التعاون الاقتصادي (الإماراتي – الإيراني)، وهناك تنسيق لخطوط نقل بحري وتجاري من الإمارات إلى إيران ومن إيران إلى أماكن أخرى من العالم، ففي عام 2019 حصلت تطورات هامة على صعيد العلاقات (الإماراتية – الإيرانية) حيث أجرت طهران محادثات بحرية أمنية مع الإمارات في آب 2019 بعد انقطاعها منذ عام 2013، كما وقّع الطرفان مذكّرة تفاهم لتعزيز أمن الحدود بين البلدَين.
وفي سياق الحديث عن تقارب خليجي – سوري، ينوّه الخبراء إلى بعض التفاصيل التي كان لدول الخليج حضور بها في سوريا، كزيارات الوفود الخليجية إلى مناطق شرق الفرات واجتماعهم بقادة “قوات سوريا الديمقراطية-قسد”، وبخصوص هذا التفصيل اعتقد إبراهيم “أنّ الإمارات وحتى السعودية لن تتدخل مرة أخرى إلى جانب قسد” مشيراً إلى “وجود تقارب (تركي – خليجي) أيضاً، وتركيا تعيش هاجس قيام كيان كردي في شرق سوريا سيدمر الدولة التركية بالكامل، مضيفاً “أعتقد أن الجميع بدأ الآن يغير من مواقفه ويتلمس مدى خطورة المخططات الأمريكية الرامية إلى تفتيت المنطقة، والمسألة أبعد من مصالح اقتصادية، المسألة هي مسألة وجود لكل دول المنطقة”.
قصي المحمد