أثر برس

كتب زياد غصن.. المستوردات السورية من أوكـ.ـرانيا بأرقام حديثة: أسباب الغلاء المتدحرج في مكان آخر!

by Athr Press B

زياد غصن ـ خاص|| أثر

رغم مرور أكثر من شهرين على بدء الحرب الروسية الأوكرانية، وارتداداتها المباشرة على الأسواق السورية منذ اللحظات الأولى لإعلان موسكو البدء بعمليتها العسكرية، لا يزال الشارع الشعبي في البلاد يسأل: هل ما شهدته الأسواق من ارتفاع كبير في الأسعار سببه تداعيات الحرب على الاقتصاد العالمي؟، أم أن ذلك كان نتيجة تأثر المستوردات السورية المباشرة من أوكرانيا وروسيا؟.

معظم محاولات الإجابة على تلك التساؤلات جاءت قاصرة وغير مقنعة، لكونها إجابات عامة، يمكن أن تصلح للحديث عن تأثر اقتصاد أي دولة أخرى. فيما ظروف الوضع السوري تتطلب مزيداً من الشفافية والاستفاضة في التفاصيل، إلا إذا كانت هناك عوامل أخرى تتحمل مسؤولية ما جرى في أسواقنا كظاهرة الاحتكار المخيفة، تراجع إمكانيات البلاد المالية وعدم قدرتها على استيراد ما تحتاجه البلاد بكميات فائضة، وغير ذلك.

سنحاول في هذه المقالة مقاربة بعض البيانات الإحصائية الخاصة، وعلاقتها بحقيقة ما تشهده الأسواق المحلية بغية الوصول إلى بعض الاستنتاجات التي قد تسهم في الإجابة على التساؤلات السابقة بلغة الأرقام والبيانات. إذ حسب البيانات الإحصائية غير المنشورة، والتي حصل عليها “أثر برس”، فإن أهم تسع سلع مستوردة من أوكرانيا خلال العام الماضي 2021 حسب الكمية، وهي تكاد تشكل معظم المستوردات من ذلك البلد، كانت على النحو التالي: ذرة صفراء علفية بواقع 177.1 ألف طن، صفائح حديد بأنواعه المختلفة 55.1 ألف طن، قمح 134.4 ألف طن، شعير علفي 97.2 ألف طن، حديد بيليت 42.6 ألف طن، زيت عباد الشمس الخام 19.3 ألف طن، بذور فول الصويا 13.4 ألف طن، صلصال 17.5 ألف طن، قطع تبديل 2 طن.

وبناء على التقديرات الحكومية المتوقعة لاحتياجات البلاد من أهم السلع الغذائية وغير الغذائية للعام الحالي، فإنه يمكن القول إن مستوردات زيت عباد الشمس الخام من أوكرانيا لا تشكل سوى ما نسبته 7.2% من احتياجات البلاد من المادة المصنعة بشكلها النهائي المتاح للاستهلاك، وإذا أضفنا إليها تجاوزاً مستوردات بذور فول الصويا، فيما لو استخدمت في تصنيع زيت الصويا، فإن النسبة ترتفع إلى 12.7%. فهل توقف استيراد كميات بهذه النسبة تؤدي إلى فقدان المادة وارتفاع أسعارها بنسبة تصل إلى أكثر من 65%.

المثال الثاني يتعلق بالمواد العلفية المستوردة، والتي حسب تقديرات احتياجات البلاد من حبوب الذرة الصفراء البالغة حوالي 2.5 مليون طن سنوياً، فإن مستوردات البلاد من أوكرانيا خلال العام الماضي لا تشكل سوى ما نسبته 7% أيضاً. والوضع نفسه وربما أكثر حدة بالنسبة لمادة الشعير العلفي المستورد من أوكرانيا. وحتى بالنسبة لمادة القمح التي يستوردها القطاع الخاص من أوكرانيا، سواء لصالح مؤسسة الحبوب الحكومية أو لصالح معامل المعكرونة والبقوليات والأفران الخاصة وغيرها، فإن الكمية المستوردة من أوكرانيا لا تشكل سوى ما نسبته 6.7% من إجمالي التقديرات المتعلقة بالكميات التي تستوردها البلاد لسد الفجوة المتشكلة بين الإنتاج المحلي المسلم لمؤسسة الحبوب، والذي لا يتجاوز في أفضل الأحيان 500 ألف طن سنوياً، فيما تقديرات مؤسسة الحبوب للعام الحالي تصل إلى 2.5 مليون طن.

وحتى لو جرت المقاربة على صعيد قيمة المستوردات، فالنتائج تشير إلى أن إجمالي قيمة المستوردات السورية من أوكرانيا خلال العام الماضي لم تتجاوز في أحسن الأحوال ما نسبته 3.9% من إجمالي قيمة المستوردات السورية من جميع دول العالم خلال العام نفسه، والتي لا تتجاوز قيمتها وفق التقديرات أكثر من 4 مليارات يورو.

بالنتيجة، فإن توقف المستوردات من أوكرانيا بسبب الحرب الدائرة فيها ليس سبباً يبرر كل هذا الغلاء الذي حدث خلال الأسابيع الماضية في الأسواق المحلية وما شهدته من فقدان بعض السلع الأساسية. فالأزمة الأوكرانية تركت تأثيراتها على الساحة العالمية من دون شك، إنما نسب ارتفاع الأسعار في سوريا كانت مضاعفة عن باقي الدول، والتي ربما تأثرت أكثر بحكم قيمة مستوردات العالية من أوكرانيا. فماذا لو حدث طارئ دولي وعرقل مستوردات البلاد من بعض الدول، التي تأتي في صدارة قائمة الموردين إلى سوريا؟، وإذا كان الاحتكار والاستغلال، وارتفاع تكاليف الاستيراد والنقل، يتحملان المسؤولية المباشرة فما هي الإجراءات الحكومية للحيلولة من دون تكرار هذا الوضع؟، والذي قد يرقى آنذاك إلى مرتبة الكارثة لا سمح الله.

اقرأ أيضاً