خاص|| أثر برس تواصل القوات التركية التصعيد الميداني المترافق بتصريحات سياسية من رأس هرم السلطة في أنقرة بحثاً عن عملية عسكرية في الشمال السوري بهدف إنشاء منطقة آمنة، يريدها رجب طيب أردوغان كورقة قوة في انتخابات 2023، الأمر الذي يبدو أنه لا يعجب الروس نهائياً.
ميدانياً:
مع استمرارية الاعتداءات التركية على مناطق متفرقة في محافظات الحسكة والرقة وحلب، حلّقت دورية جوية مؤلفة من 6 مروحيات قتالية روسية فوق المناطق الحدودية، وخطوط التماس بريف الحسكة الشمالي والغربي، الأمر الذي قابله تحليق ليلي للطيران الحربي التركي على امتداد الشريط الحدودي من جرابلس وحتى المالكية، ودون خرق الأجواء السوري.
كما حلّق ليل أمس أيضاً طيران مجهول الهوية على علو منخفض فوق مناطق تسيطر عليها تركيا في ريف الرقة الشمالي، وتعتقد المصادر الميدانية خلال حديثها لـ “أثر برس”، أنه كان طيران تابع للقوات الروسية في خطوة تستكمل من خلالها موسكو رسائلها المباشرة لتركيا بأن العملية التي تنوي شنها داخل سوريا ليست مقبولة بالمطلق، حيث سبق أن نفذ الطيران الروسي ليل الأربعاء الماضي 18 أيار 2022، سلسلة غارات على نقاط فارغة في محيط قرية المناجير التي تحتلها تركيا بريف الحسكة الغربي.
وتحركت القوات الروسية أيضاً على الأرض، حيث سيّرت دورية مراقبة في محيط “عين عيسى” بريف الرقة الغربي، وكثفت من نشاط نقل التعزيزات العسكرية إلى مطار القامشلي، وتفيد مصادر “أثر برس” بأن الروس لم يسحبوا أي آلية عسكرية من “تل رفعت – منبج – عين عيسى – تل السمن – تل تمر”، مع مراقبة كثيفة لمنطقة “أبو راسين”، التي تستهدفها النيران التركية، كما أن وحدات الجيش السوري لم تبدل مواقعها خلال المرحلة الماضية في أي من المناطق التي تنتشر فيها على خطوط التماس، وذلك بعكس الشائعات التي تروجها المواقع المحسوبة على المعارضة.
الهدف المحتمل:
تشير التحليلات إلى أن أنقرة ستبحث في هذه العملية عن الزوايا الرخوة لـ”قسد” والبعيدة عن أي انتشار للجيش السوري، لافتة إلى أن القرى الواقعة بين بلدة “عين عيسى”، ومدينة “عين العرب”، تشكل خاصرة رخوة بالنسبة لـ “قسد”، إذ يتواجد في هذه المنطقة مجموعة من القرى الصغيرة التي لن تقاوم فيها كثيراً إذا ما تقدمت القوات التركية من نقاط تواجدها شمال شرقي “عين عيسى” نحو الغرب، وسيكون هدف مثل هذا التقدم الوصول إلى “جسر قره قوزاك”، الذي يربط بين ضفتي نهر الفرات، ما سيحقق للأتراك مجموعة من النتائج المؤثرة بـ “قسد”، ومن أبرزها فرض حصار كامل على “عين العرب”، المدينة التي تعد ذات أهمية كبيرة على المستوى السياسي لـ “قسد”، والتي سيشكل حصارها ضربة قاصمة لها، كما أن سيطرة الأتراك على الجسر ستعني بالضرورة عزل مدينة “منبج”، عن بقية المناطق التي تسيطر عليها “قسد”، وسيشكل الأمر أيضاً سيطرة على أهم نقطة على الطريق الدولية M4، الأمر الذي قد يشعل كباشاً سياسياً بين أنقرة وموسكو، فالأخيرة تريد تأمين الطريق بكامل امتداده من مدينة اليعربية الحدودية مع العراق، وصولاً إلى اللاذقية.
ولا يعد التقدم نحو “تل تمر”، بريف الحسكة الغربي هدفاً مغرياً بالنسبة للأتراك، لكن مدينة “المالكية”، الواقع بأقصى شمال شرق٦ محافظة الحسكة تعد خاصرة رخوة للغاية بالنسبة لـ “قسد”، فلا تواجد كثيف لها في المنطقة، ولا انتشار للجيش السوري أو الروس هناك، ولا يعول قادة الفصائل الكردية على موقف أمريكي رافض لهذه العملية، والسيطرة على “المالكية”، وكامل المناطق التي تحاذي “نهر دجلة”، ستعني بالنسبة لأنقرة قطع لطريق “قسد”، المباشر نحو إقليم شمال العراق “كردستان”، ما سيعني أن قادة “قسد” سيخسرون طريقهم الآمن نحو “جبل قنديل”، المعقل الأساس لـ “حزب العمال الكردستاني”.
لن يعارض الأمريكيون مثل هذا التوجه التركي الذي ستسوقه أنقرة بأنه نتج عن رغبتها بتأمين حدودها الجنوبي وحماية أمنها القومي، فالقوات الأمريكية تمتلك معبراً غير شرعياً تسيطر عليه “قسد” بالقرب من بلدة السويدية ويعرف إعلامياً بـ “معبر الوليد”، ويضاف إليه “معبر اليعربية”، الذي لا يمكن لـ “قسد” استخدامه بحرّية رغم سيطرتها على الجزء السوري منه، فالجزء العراقي تحت سيطرة الحكومة الاتحادية (بغداد)، لكن الأخيرة لن تمانع استخدام الأمريكيون لهذا المعبر إذ احتاجوه بحجة قتال “داعش”، فالعراق جزء من التحالف الذي تقوده واشنطن ضد التنظيم المتطرف، وبالتالي ستسعى بغداد لتسهيل عبور القوات الأمريكية التي تجتاز الحدود على أنها جزء مالتحالف وبحجة قتال “داعش”.
ردود باردة:
رد فعل “قسد” تجاه ما يفعله الأتراك جاء مكتفياً بالرد على مصادر إطلاق النيران بالرشاشات الثقيلة، وإعادة تعزيز بعض النقاط، وتجميع مقاتلين في مجموعات احتياطية في بعض المناطق البعيدة نسبياً عن خطوط التماس، ولا يبدو أن “قسد” تتخوف من عمل تركي جديد لكونها تلمس بوجود القوات السورية والروسية عوامل آمان لم تلمسها بالمواقف السياسية لواشنطن أو حلف شمال الأطلسي الذي يضم في عضويته دولاً سبق وأرسلت وفوداً إلى القامشلي لتسلم بعض مواطنيها، و كانت قد استقبلت قادة من “قسد” في عواصمها، ورغم أن دول التحالف الذي تقوده “واشنطن”، تعتبر “قسد”، شريكاً محلياً في قتال “داعش”، إلا أن أياً من هذه الدول لم يسبق لها وأن أعربت عن موقف شديد اللهجة ضد أنقرة لصالح “قسد”، ما سيدفع بالقيادات الكردية للتعويل فقط على الموقف الروسي الذي لن يقبل بمقايضة منطقة آمنة مقابل ضم الناتو لـ “السويد” أو غيرها، فهذه المعادلة تعد تهديداً للأمن القومي لموسكو، وبالتالي سيكون للأخيرة موقفاً حاسماً من أي تهديد تركي جديد للشمال السوري.
المنطقة الشرقية