خاص|| أثر برس قد يبدو موقف أنقرة الذي أعلنه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مؤخراً حول التقارب مع دمشق، ليس واقعياً ولا متماسكاً، بعد عقدٍ من العداء معها، خصوصاً أن هذا التحوّل كان مفاجئاً لمتزعمي الفصائل المسلّحة التي تدعمها تركيا، ولقيادة “قوات سوريا الديموقراطية – قسد” على السواء، بينما تمضي الدولة السورية بحذرٍ واضح مع هذه المستجدات الطارئة، التي تحتاج بلا أدنى شك إلى أفعال تركيّة عمليّة تلّخص الغزل السياسي الذي أطلقه مسؤولو أنقرة منذ حوالي أسبوعين اتجاهها، في الوقت الذي تؤكد فيه المعارضة التركية أن جنوح أردوغان نحو سوريا، اعترافٌ بفشل مخططاته في إسقاط حكومة دمشق، وتلبيةٌ لضغوط موسكو في إعادة العلاقات التركيّة – السوريّة من جديد.
يتّفق المحللون على أن الانتخابات الرئاسية التركيّة في العام القادم، دفعت أردوغان بالعودة إلى سياسته الأولى “صفر مشكلات”، التي انتهجها منذ وصوله إلى السلطة في العام 2002، وتبدّلت مع اندلاع الحرب على سوريا، التي وجدها أردوغان فرصة ثمينة لإعادة إبراز الدور التركي الإقليمي، والانقلاب على اتفاقية لوزان الموقّعة عام 1923، حيث يعتبرها هزيمةً كبرى لتركيا، لكنه وصل إلى طريق مسدود جعله يعيد حساباته من جديد، ولا سيما أمام المخططات الأمريكية في المنطقة المتعارضة مع مصالحه، وواقع متوازنٍ فرضه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وسط محاولة أردوغان المراوغة بينهما، لكن الأحزاب السياسية المعارضة استغلت مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية، أزمة اللاجئين المتصاعدة في الداخل التركي، بالإضافة إلى تعرّض البلاد لأزمة مالية غير مسبوقة منذ وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة، حيث ترجّح استطلاعات الرأي المستقلة هزيمة أردوغان بفرق 10 نقاط على الأقل، وأن يساهم “حزب المستقبل” الذي يتزعمه رئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو، وحزب “الديمقراطية والتقدم” بزعامة علي باباجان في هزيمة أردوغان بما لا يقل عن 5% من الأصوات.
وفي هذا السياق يقول وزير الاقتصاد التركي الأسبق علي باباجان ورئيس الوزراء الأسبق أحمد داود أوغلو: “إن قضايا الفساد كانت كافية لتغيير أردوغان إلى معادٍ لأبسط معايير الحرية والديمقراطية والشعب، وناهب ثرواته، هو ومن معه من أفراد أسرته والمقرّبين إليه بعد أن أصبح الحاكم المطلق للبلاد بتغيير النظام السياسي، فأصبح الآمر الناهي بعقليته الاستبدادية الديكتاتورية”، وسبق أن عبّر ”أوغلو”عن انزعاجه من التقارب الذي يبديه أردوغان مع سوريا، وإعلانه عن ضرورة رفع مستوى المحادثات مع الدولة السوريّة إلى مستويات أعلى، حيث يمثّل “أوغلو” تياراً يرى أنه يجب على تركيا أن تبقى في توجهاتها الأساسية مع الغرب وأوروبا، وأن مصالحها مع هذه الكتلة العالمية وليس مع الكتلة الأوراسية التي تمثلها روسيا والصين، وبذلك يلقى دعماً من الرئيس الأمريكي جو بايدن، الذي تعهّد بإسقاط الرئيس التركي ديمقراطياً منذ وصوله إلى السلطة، عبر دعم المعارضة التركية.
تشير صحيفة “لوفيغارو” الفرنسية إلى أن أردوغان أجرى مصالحة شاملة مع السعودية والإمارات وحتى “إسرائيل”، لتعزيز أوضاعه داخلياً، مؤكدةً أنه يوجد هناك شاغلون رئيسيون في قلب المفاوضات التركية السورية، وهي تعزيز ”المنطقة الآمنة” شمالي سوريا، والقتال ضد “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”، وفي هذا الصدد، يشير محللون إلى أن تركيا سوف تتجه إلى إجراء تعديلات على اتّفاقية “أضنة”، الموقّعة عام 1998، مع الجانب السوري، لكن “بيرم بالسي”، مدير المعهد الفرنسي لدراسات الأناضول، يقول: “ما زلنا بعيدين عن المصالحة.. التصريحات التركية الأخيرة ليست واقعية ولا متماسكة”.
إن دعم زعيم الحركة القومية “دولت بهتشيلي” حليف أردوغان، يعطي مؤشراً قوياً على وجود توجه جديد في السياسة التركية يكون قد نتج عن توافقات ما جرى من تفاهم حولها في قمة طهران التي جمعت أردوغان وبوتين ورئيسي مؤخراً، وتخدم بدرجة أساسية مساعي أنقرة لإنهاء خلافاتها مع دول المنطقة لتكون آخرها سوريا، وخدمة الملف الأهم المتعلق بملف العودة الطوعية للاجئين السوريين إلى بلادهم، وهو ملف حاسم يسعى أردوغان لتحقيق تقدم فيه قبيل موعد الانتخابات المقبلة.
علي أصفهاني