خاص|| أثر برس لم تكن الواقعة التي تحدث عنها موقع “أثر” في تقرير سابق حول وفاة الجندي السوري الأسير “باسل خالد الطوكان” من أبناء “حطلة” نتيجة للتعذيب الذي تعرض له في أحد سجون “قوات سوريا الديمقراطيّة- قسد” بمناطق سيطرتها في دير الزور هي الأولى، إنما جاءت إحدى الحالات التي تُسلط الضوء على ما يُقاسيه آلاف المعتقلين هناك من معاناة.
وإذا ما استثنينا معتقلي تنظيم “داعش” من عرب وأجانب أو سوريين، فإن آلاف المعتقلين هم مدنيون تم اعتقالهم على خلفيّة تظاهرات مناهضة لـ “قسد” أو تحركات عسكرية ضدها، ومنهم أيضاً معتقلو رأي، وإن كان هنالك -وحتماً هو موجود- من سجناء بخلفيات جنائية.
سجون وتعذيب:
إن أحد كبار الشخصيات في المجلس التشريعي التابع لـ “قوات سوريا الديمقراطيّة” بدير الزور، والذي انشق عنها وانضم لعملية التسويّة التي أطلقتها الحكومة السوريّة منتصف تشرين الأول العام الفائت، يكشف لـ “أثر برس” عن أماكن عدة تتخذها “قسد” سجوناً ومنها ثلاثة سجون في دير الزور، الأول في ناحية “الكسرة”، وآخر في “جزرة ميلاج”، وكلاهما في الريف الشمالي الغربي، على حين يوجد الثالث بالريف الشمالي الشرقي بمدينة “الصور”، وهي في الغالب ترحيلية مؤقتة، إذ تعتمد “قسد” أكثر على سجونها في محافظة الحسكة، والتي تفتتحها في الشدادي، وتتخذها سجوناً عسكرية لعناصرها وسواهم أو من يرفضون التجنيد الإجباري في صفوف جسمها العسكري (قوات الدفاع الذاتي)، إضافة لما يُسمى بالسجن الصيني، في ذات المدينة (وهو في موقع شركة صينيّة نفطية عملت على الأراضي السورية سابقاً)، ويُديره جهاز الاستخبارات التابع لها، وهو جهاز أمني حصراً بيد الأكراد، ناهيك عن علاقات سجن الصناعة الشهير، والذي يضم معتقلي “داعش” من أجانب وعرب، على حين تجد شخصيات كانت فاعلة بالتنظيم من السوريين هم في صفوفها منذ سيطرتها على مناطق شرقي وشمال شرقي سوريا نهاية عامي 2017 و2018، وهناك أيضاً سجن في حي “غويران غربي” بمدينة الحسكة، وسجنان آخران في القامشلي هما “علّايا، وشنكال”، كما يوجد سجنٌ خاص بالنساء في الرقة موقع صوامع الحبوب على طريق تل أبيض”، كما لفتت مصادر رفضت الكشف عن هويتها إلى أن أكثر السجون المعروفة بسوء سمعتها والتي تتواجد في مدينة “الشدادي” ، مؤكدةً أن التعذيب قائمٌ في تلك السجون، وهناك من قضى ميتاً نتيجتها، وما يزيد الأمر بؤساً أنه لا يتم تبليغ ذوي المتوفى بذلك، ولا حتى تسليم الجثمان، إذ إن أعداد السجناء الكلي يقدر بـ13 ألفاً، لافتةً إلى أن التعذيب يقوم به عناصر من المكون العربي، بتوجيهات من “قسد”، لغرض تحميلهم مسؤولية نتائجه وما تحمله من تداعيات ثأرية في مجتمع قَبَلي، وهو ما يراه مقصوداً لإشغال العرب الرافضين لمشروعها.
نقيب المحامين بدير الزور ربيع الداوود، أوضح في تصريح لـ “أثر” أنه لا مُستند قانوني تعتمده “قسد” في أحكامها: “هم يعملون على طريقتهم دون أي مسوغات أو مُستند دستوري أو قانوني، كما أن ما يسمونه قضاء يشغله أي شخص، ربما على طريقة (العارفة) وهي طريقة فصل عشائري للخلافات كانت وما تزال بمجتمعاتنا العشائرية العربية”، واصفاً الأخيرة بـ”الأشرف والأنزه” مما تُمارسه “قسد” في إطار ما تُطلق عليه بالقضاء، مهزلة كبيرة وأمر يدعو للسخرية بكل ما للكلمة من معنى، مشيراً إلى أن الرد على هؤلاء “يعطيهم قيمة وحيثية، فيما هم ليسوا أكثر من نتوء مُشوه في الجسم السوري يستمد أسباب حياته من الوجود الأمريكي، وكل ما يصدر عما يسميها مؤسسة قضائية لا معنى له”.
وتشير المصادر التي عايشت تفاصيل يومية مع إدارة “قوات سوريا الديمقراطيّة-قسد” بدير الزور أنّ الفاعل الأساسي فيها هم من غير الأكراد السوريين، أو ما يُطلق عليهم “أكراد قنديل”، وهم الأكراد الأتراك ممن يتواجدون في جبال “قنديل” بإقليم كردستان العراق لافتين إلى أن “هناك أكراد سوريون بلا شك ضمن “قسد”، لهم أدوارهم، غير أن الفاعلية وحصرية القرار المؤثر يبقى بيد أولئك، وهم من يُعرقل أي تسوية ممكنة مع الحكومة السوريّة، وأغلب قادتها من المكون السوري كرداً وعرباً ليسوا أكثر من منتفعين لأجل المال، فلهؤلاء تُسند مهام إدارة عمليات تهريب النفط والغاز وما تدره عليهم من مكاسب “قادة قنديل” الذين يُسيطرون على الأجهزة الأمنيّة والعسكرية بدءاً من الأمن العام، إلى الاستخبارات، و”الأسايش”، وسواها من تشكيلات”.
وتابع: “كثيرٌ من الشباب الكرد الذين هاجروا إلى أوروبا لا يرون “قسد” حاملة لمشروع قابل للحياة، هي ليست أكثر من مشروع تخادمي لمُنتفعين يكنزون المال، مع مايسترو أمريكي يُدير الملف السوري لمصالح تفاوضية يبغي الوصول إليها عندها سيُسدل الستار على هذا المشهد، هم يُهاجرون بحثاً عن فرص أفضل”.
وتؤكد المصادر التي رفضت الكشف عن هويتها أنه ما من جهة دوليّة تأتي على ما يدور في تلك السجون، وإذا ما تناول الوضع فيها جهة ما تحت يافطة المنظمات الإنسانيّة، فهو ليس أكثر من رفع عتب، لا معاينة ميدانيّة ولامُقاربة بحلول، جُل الاهتمام يتركز على المعتقلين من “الدواعش”؛ فخلف تلك المنظمات دولٌ هي بالأصل مُنخرطة بالأحداث الجارية في سوريا”، ووثق ما يُسمى “المرصد الأورومتوسطي” في تقرير له عام 2021 أنّ “قسد” تستمر بلا هوادة في انتهاك حقوق المدنيين في مناطق سيطرتها شمالي وشرقي سوريا، وتمارس على نحو كبير الاحتجاز التعسفي والإخفاء القسري بحقهم، ونشر منذ مدة في بيان صحافي أنه تلقّى معلومات تفيد بوفاة الشاب “مصطفى عمر الحمدو تحت التعذيب” في 5 آذار الجاري بعد ست سنوات من الاحتجاز في سجون “قسد” بمحافظة الحسكة، على خلفية تهم إرهاب مزعومة، كما وثّق وفاة الشاب “يوسف محمد السلامة الراشد” في 20 شباط المنصرم متأثراً بممارسات التعذيب التي تعرّض لها بعد احتجازه تعسفياً في هجوم تنظيم “داعش” على سجن الصناعة في الحسكة أواخر كانون ثان من العام الحالي.
وأوضح تقرير “المرصد الأورومتوسطي” أنّ “مصطفى عمر الحمدو” (38 عاماً) كان محتجزاً في سجن “علايا” في القامشلي بريف الحسكة، إذ قضى 6 سنوات من مدة عقوبته البالغة 7 سنوات، قبل أن تبلغ “قسد” زوجته أنّه توفي داخل السجن وتنقل جثته التي بدا عليها آثار تعذيب إلى مستشفى مدينة القامشلي شمالي الحسكة، إذ منعت عائلته من دفنه في مسقط رأسه قرية الحمدو شمالي الرقة، وجرى دفنه في قرية “الشيخ حسن” جنوب الطريق الدولي M4 شمالي الرقة.
وعلى نحو مشابه، اختطفت “قسد” الشاب “يوسف محمد السلامة الراشد” (37 عاماً)- نازح من مدينة القورية بريف دير الزور إلى الحسكة- مع عشرات آخرين على نحو تعسفي أواخر كانون ثاني 2022 في أثناء هجوم تنظيم “داعش” على سجن الصناعة بالحسكة، إذ اقتيد بعد اختطافه إلى جهة مجهولة، وظل قيد الإخفاء حتى أُفرج عنه بعد نحو عشرين يوماً، لكنّه نقل عقب الإفراج عنه مباشرة إلى أحد مستشفيات الحسكة لتدهور حالته الصحية بسبب تعرّضه للتعذيب، ليتوفى بعد يومين فقط في المستشفى، وفق ما نشر أفراد من أسرته.
وأشار “المرصد الأورومتوسطي” حينها إلى أنّ حالات التعذيب داخل سجون “قسد” ليست ممارسة معزولة أو سلوكاً فردياً، ولكنّها على ما يبدو سياسة ممنهجة لإلحاق الأذى الجسدي والنفسي بالمحتجزين، وترهيب النشطاء والمعارضين السياسيين، إذ وثّق وفاة 3 محتجزين في سجون “قسد” بسبب التعذيب والمعاملة السيئة في العام الماضي 2021 .
وفي جانبٍ آخر حمّلتْ الشخصية التشريعيّة “قسد “مسؤولية أغلب الاغتيالات في دير الزور، والتي لا تطال سوى شخصيات من المكون العربي، سواء ما استهدف معارضين لها، أم قادة في صفوفها: “10 شخصيات كانوا ضمن تشكيلة “المجلس التشريعي” اغتالهم عناصر لها في السنوات الماضيّة، ناهيك عن قياديين عسكريين عرب مثل “ياسر الدحلة” الذي اغتيل ومجموعة من مرافقيه على طريق “الخرافي” دير الزور-الحسكة في تموز 2019، إذ قاد المذكور تمرداً لقبيلة “البكارة” شاكياً تهميش “قسد” للقيادات العربيّة في صفوفها، وتصفية المدعو “أبو إسحق الأحواز”، وتلاه “فصيح السلوم الذي اغتيل في بلدة “ذيبان”، وثلاث محاولات جرت لتصفية “خليل الوحش” في العامين المنصرمين دون تحقيق الهدف، وهو قيادي عربي بارز، واصفةً الأمر ببرنامج سري تُنفذه “قسد” برأسها الكردي لإزاحة شخصيات عربية قيادية مؤثرة، على حين المُتهم لديها جاهز وهو فلول تنظيم “داعش”.
عثمان الخلف- دير الزور