على الرغم من أنه لم تحدث أي نتائج فعليّة للتقارب التركي- السوري منذ الكشف عن وجود جهود روسيّة بهدف إنهاء القطيعة التي امتدت إلى ما يزيد عن 11 عاماً بين البلدين، لا زالت موسكو تأمل دفع الحوار بين دمشق وأنقرة من المستوى الأمني إلى المستوى السياسي، على حين تحاول دمشق إيجاد صيغة للتفاهم مع “قسد”، تتيح إقفال ملف الشمال السوري سلميّاً.
مقاربات تركيّة سوريّة في مسار التطبيع
ثمّة نقطة تقاطع بين دمشق وأنقرة تسعى كل منهما للولوج إليها، متمثّلة في معالجة ملف اللاجئين، إذ يريد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التخلّص من عبئه على أبواب الانتخابات الرئاسية، فيما تتطلّع دمشق من جهتها إلى تثبيت الاستقرار في المناطق المستعادة، من خلال حلحلته.
وترى صحيفة “الأخبار” اللبنانية في هذا الصدد، أن البلدين اتخذا العديد من الخطوات في إطار بناء الثقة بينهما،حيث ألزمت تركيا الفصائل المسلّحة الموالية لها بفتح أبواب المعابر بين مناطق سيطرتها ومناطق سيطرة الدولة السوريّة أمام الراغبين في العودة إلى مدنهم وبلداتهم، في حين ألغت الحكومة السوريّة إجراءات أمنية كانت متّبعة سابقاً، تشجيعاً لعودة النازحين.
وصدر تعميم أمني بإلغاء المراجعات الأمنيّة للسوريين الحاصلين على الجنسية التركيّة، بعد أن كانت تشترط الجهات الأمنية مراجعتهم لها إثر دخولهم إلى البلاد.
كما سمحت الدولة السوريّة لأهالي معرة النعمان في ريف إدلب بالعودة إلى منازلهم، ودعم خطّة خدميّة لإعادة الحياة إلى المدينة بعد نحو ثلاثة أعوام من استعادة القوّات السوريّة إياها، فضلاً عن تمهيد الحكومة الأرض لتسويّة أوضاع الأهالي في إدلب وريف حماة وريف دمشق، بالإضافة إلى تواصل تلك التسويات في كلّ من ريف حلب ودير الزور والرقة.
وعلى الرغم من أهمّية هذا الملف في مسار تطبيع العلاقات، إلّا أن الحكومة السورية لا تزال تُبدي حذراً إزاء ذلك المسار، خصوصاً أن مسألة الانسحاب التركي الكامل من الأراضي السورية هي مثار خلاف كبير، وأن موافقة أنقرة على إنهائها تستوجب إزالة مخاوفها الأمنيّة من وجود “قسد” على الحدود، من دون الانزلاق إلى أيّ مواجهات عسكرية.
دمشق و”قسد” الحوار المُرّ
خاضت الدولة السوريّة مفاوضات غير مباشرة وغير معلّنة مع “الإدارة الذاتية” في كلّ من الحسكة ودمشق، في محاولة للتوصّل إلى تفاهمات، بما يشمل حماية الشريط الحدودي الشمالي من أيّ اعتداءٍ تركيٍ جديد، وهو ما يفسّر التعزيزات العسكريّة التي أُرسلت إلى هناك خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، بحسب ما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
في المقابل، يَظهر الحرص السوري في كلّ الحوارات مع “قوات سوريا الديمقراطية – قسد”، على ضرورة تعهُّد الأخيرة بفك ارتباطها مع الأمريكيين حال التوافق على المحدّدات الأساسية للحل، وإلغاء شرطها الاعتراف بكيانها دستورياً قبل الدخول في أيّ ترتيبات للوضع.
إذ تدرك دمشق أن “قسد” لن تلبّي تلك المطالب من دون ثمن، فهي تعزّز انفتاحها على الأحزاب الكرديّة، وتبحث في مطالبها ممكنة التحقيق من خارج الخطوط الحمراء السوريّة، المتعلّقة بسيادة الدولة على كامل أراضيها.
وعن الحوار بين “قسد” ودمشق، سبق أن كشف القائد العام لـ “قسد” مظلوم عبدي عن حصول جولاتٍ عدة من الحوار بين الجانبين، غير أنها لم تصل إلى نتائج ملموسة، مشدداً على أنه “لا يمكن عسكرياً تفكيك قوات سوريا الديمقراطية إلى أفراد هنا وهناك، فلهذه القوات مهامّ ميدانيّة مستمرة للدفاع عن الأراضي السورية”، بحسب ما نقلته صحيفة “الشرق الأوسط” اللندنية.
وأشار عبدي إلى أن “اللامركزية هي مدخل للحل السياسي”، لافتاً إلى أنه ”من غير الممكن منطقياً أن يستمر الوجود الأمريكي أو الروسي إلى ما لا نهاية”، داعياً واشنطن وموسكو إلى أن تكونين ضامنتين لحل سياسي في سوريا”.
واتهمت إلهام احمد الرئيسة المشتركة لـ “مجلس سوريا الديمقراطية – قسد” في وقتٍ سابق روسيا بالاتفاق مع أنقرة على تعديل اتفاقيّة “أضنة”، للسماح إلى القوّات التركيّة بشن هجمات ضد “قسد” في عمق الأراضي السورية.
يشير مراقبون إلى أن الدولة السوريّة لا تزال منفتحة على الحوار مع كل الأطراف للوصول إلى حلحلة لملف الشمال المعقد، غير أنه من الصعب ربط ملف المصالحة مع تركيا بحوار “قسد” إذ لكل منطقة خصوصيتها، ولا سيما في ظل الوجود الأمريكي شمال شرقي البلاد وسيطرته على حقول النفط فيها.
أثر برس