خاص|| أثر برس أعاد تفجير إسطنبول فتح ملف العملية العسكرية التركية ضد “الأحزاب الكردية” شمالي سوريا من جديد، حيث أعلنت السلطات التركية بعد ساعات من التفجير أن العملية تم التحضير لها في مدينة سبق أن أعلن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان نيته للسيطرة عليها، وهي عين العرب شمالي سوريا.
بالرغم من أن السلطات التركية لم تُصدر نتائج التحقيقات النهائية في هذا التفجير، ونفي القائد العام لـ”قوات سوريا الديمقراطية- قسد” مظلوم عبدي وجود أي صلة لـ”قسد” بهذا التفجير، إلّا أن التحليلات التركية والأمريكية تؤكد أن هذا التفجير قد يكون مبرر لشن عملية عسكرية تركية بريّة في سوريا، حيث نقلت قبل أيام وكالة “رويترز” عن مسؤول تركي رفض الكشف عن هويته قوله: “سوريا مشكلة أمن قومي لتركيا، وهناك عمل يجري القيام به بالفعل في هذا الصدد”، معلناً عن نيّة أنقرة بملاحقة أهداف شمالي سوريا بعد استكمال عمليتها في مواجهة “حزب العمال الكردستاني” شمالي العراق.
الأمر الذي أكده أيضاً الباحث في العلاقات التركية الخارجية والمقرّب من “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا مهند حافظ أوغلو، حيث قال في حديث لـ”أثر”: “إن العملية العسكرية البرية شمالي سوريا هي “إحدى الخيارات التي ستناقشها الحكومة التركية قريباً بعد الاطلاع الكامل على مسار التحقيق”، مشيراً إلى أن خيار العملية العسكرية واحد من الخيارات المطروحة للرد على تفجير إسطنبول.
تشكيك بالرواية التركية:
إلى جانب نفي القائد العام لـ”قسد” وجود أي صلة لهم بالتفجير الذي استهدف شارع الاستقلال بميدان تقسيم في إسطنبول، انتشرت العديد من التقارير التي تشكك بجنسية “الهام البشير” المتهمة بالتفجير، حيث أشارت صحيفة “هادية ليفنت” التركية إلى وجود تناقضات بشأن تاريخ قدوم منفذة الهجوم إلى تركيا عبر عفرين، وما إذا كانت منفذة الهجوم قد عبرت الحدود بالفعل أم لا، مضيفة أنها توصلت لمعلومة تؤكد أن منفذة الهجوم “الهام البشير” هي من شمال إفريقيا.
وكذلك علّق الباحث السياسي الكردي رستم محمود، على تصريحات المسؤولين الأتراك حول التفجير بقوله: “ما جرى الإعلان عنه غير مترابط، والسلطة السياسية في تركيا تفتعل الأزمات للحصول على الأصوات”.
الموقف السوري:
لم تتأخر دمشق بالإعلان عن موقفها من أي عمل عسكري تركي على أراضيها، باعتبار أن توجّه تركيا نحو خيار العمل العسكري في الشمال السوري واستغلال حادثة تفجير إسطنبول لتبرير حدوثها، هو أمر بديهي، حيث عبّر عن الموقف السوري وزير الخارجية فيصل المقداد، الذي أكد أنه “إذا كانت الإدارة التركية تريد استغلال مثل هذه الحوادث ضد سوريا، فهم يعرفون أنهم هم من أرسلوا الإرهابيين إلى سوريا، فعشرات الآلاف وربما مئات الآلاف هم من أرسلوهم، فعليهم ألّا يتذرّعوا بمثل هذه الأحداث للقيام بنشاطات أو خطوات قد تزيد من الوضع القائم حدة وتفجراً”، منوّهاً في الوقت ذاته إلى أن تركيا لا تزال مستمرة في ممارسات لا تمت لعمليات القضاء على “الإرهاب” بصلة، حيث قال: “تركيا حتى هذه اللحظة هي من يقطع المياه عن أهلنا في الحسكة وما يزيد على مليون وبضعة آلاف من أهلنا في الحسكة يعانون نتيجة الموقف التركي، وأنا أقول نتيجة الموقف التركي وأعرف أن تركيا لم تسمح للخبراء بالوصول إلى محطة علوك”، متابعاً “فهمنا الرسالة، وسوريا ستدافع عن كل ذرة تراب من ترابها” وفقاً لما نقلته صحيفة “الوطن” السورية.
الموقف الدولي:
وسط التقارب “التركي-الإسرائيلي” الحاصل مؤخراً وبعد فترة بين التوترات بين الطرفين، أجرى كل من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس الحومة الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو” محادثة هاتفية استمرت لمدة 12 دقيقة، تقدّم “نتنياهو” خلالها بالتعازي لأردوغان بضحايا التفجير، وعرض عليه المساعدة في مكافحة “الإرهاب” وفقاً لما نقلته صحيفة “زمان” التركية.
أما بخصوص الموقف الأمريكي فإن رفض أنقرة التعزية الأمريكية بضحايا تفجير إسطنبول، كانت خطوة تركية لافتة، وإشارة إلى انزعاج تركي من الولايات المتحدة الأمريكية، باعتبارها الداعم الأول لـ”الوحدات الكردية” في سوريا، وفي هذا السياق أشار قال الباحث التركي مهند أوغلو: “إن أنقرة ترى أن الولايات المتحدة الأمريكية تسير في طريق خاطئ ولا يتناسق مع روح التحالف القائم بين أنقرة وواشنطن”.
لكن بالرغم إقدام أنقرة على هذه الخطوة المتشنجة إزاء واشنطن، إلا أن الأخيرة أخذت التلميحات التركية حول شن عملية عسكرية على محمل الجد، وأصدرت القنصلية الأمريكية في أربيل بياناً أمس الجمعة، قالت فيه: “نراقب تقارير موثوقة ومفتوحة المصدر تتحدث عن احتمال شن تركيا عملاً عسكرياً في شمال سوريا وشمال العراق في الأيام المقبلة”، مضيفاً: أن “حكومة الولايات المتحدة تنصح وبشدة مواطنيها تجنب هذه المناطق، وخاصة المناطق الحدودية وتوخي الحذر في حال كانت هناك تجمعات أو احتجاجات كبيرة”، دون أن تعلن واشنطن عن أي تحذير أو إدانة لعملية عسكرية ستستهدف حلفائها الأكراد في سوريا، فيما تشير تقديرات إلى عدم ممانعة واشنطن لهذه العملية، حيث لفت في هذا الصدد الصحفي الروسي ديمتري بافيرين، في مقال نشره في وكالة الإعلام الروسية، أنه على هامش قمّة العشرين، “عقد الرئيسين الأمريكي بايدن والتركي أردوغان اجتماعات غير معلنة أو ضمنية” مشيراً إلى أن “المحادثات كانت سرية والمسألة كما أوضح الجانب التركي هي الهجوم الإرهابي في إسطنبول، ثم افترق الطرفان وبدا راضين عن بعضهما البعض”.
يبدو مما سبق أن تركيا قد تكون وجدت في تفجير إسطنبول ضالتها في الحصول على مبرر كافي لشن عمليتها العسكرية في الشمال، إلا أن احتمال شنها لم يُحسم بعد، حيث تشير التقديرات إلى أن تركيا لن تقدم على أي خطوة تصعيدية في سوريا حالياً، أو على الأقل قبل الجولة المقبلة من اجتماعات أستانة المفترض عقدها يومي الثلاثاء والأربعاء المقبلين، لافتين إلى أنه من المحتمل أن تشهد هذه الجولة مباحثات ومحادثات من شأنها أن تؤثر على أي قرار تصعيدي تركي في سوريا.
زهراء سرحان