بعد أن كشف وزير الخارجية التركية مولود تشاووش أوغلو في تصريحٍ له أمس الثلاثاء، عن استمرار اللقاءات بين دمشق وأنقرة على مستوى الاستخبارات، عادت الأوساط السياسية والإعلامية إلى البحث في شأن إمكانية تحقيق تقدّم في مسار المصالحة التركيّة مع سوريا، يجمع رئيسي البلدين، ولا سيما في ظل الدفع الدبلوماسي الروسي بهذا الخصوص.
وتعليقاً على ذلك، كتب المحلل السياسي أحمد الدرزي في مقالٍ له في موقع “الميادين” نت “تبدو أطراف الأستانة الثلاثة مستعجلة على المصالحة قبل الانتخابات الرئاسية التركية، فموسكو وطهران تفضلان استمرار الرئيس التركي في الحكم، وهو الرجل القوي الذي يستطيع أن ينفّذ أي اتفاقية أو أي تفاهم معهما، على العكس من تحالف الأحزاب الستة التي اجتمعت على معارضة الرئيس التركي، وأن أي اتفاق معها يحتاج إلى التوفيق فيما بينها، وهي متباينة المصالح والرؤى حول الصراع الدولي والإقليمي”.
في المقابل، اعتبر آخر سفير تركي في سوريا عمر أونهون، في حوار صحافي، أن “روسيا تروّج لتقارب بين أردوغان والرئيس السوري بشار الأسد، فيما تعمل على التقريب بين دمشق والوحدات الكردية”، مستبعداً انتقال المفاوضات بين تركيا وسوريا إلى المستوى السياسي في وقتٍ قريب، قائلاً: إن “الرئيس الأسد متريّث وتركيا أكثر استعداداً.. يُقال: إن الرئيس الأسد لا يريد أن يساعد الحكومة التركية في مجال الأمن واللاجئين قبل الانتخابات الرئاسية”، مشيراً إلى “عدم وجود تقدّم إذا لم تكن المعارضة السورية جزءاً من الحلّ السياسي”، بحسب ما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
وفي السياق نفسه، أوضح الدرزي أن “الحسابات السورية لا تتماشى تماماً مع الحسابات الروسيّة، على الرغم من قناعة دمشق الكاملة بأن الاستقرار في سوريا لا يمكن أن يتحقق من دون مصالحة كاملة مع تركيا، غير أنها تخشى من تقلبات سياسات الرئيس التركي، كما فعل بعد منتصف آذار عام 2011، ومن فقدان مركزية القرار السياسي والاقتصادي والعسكري جراء المصالحة التي تتطلب إيجاد صيغة للحل السياسي تلحظ شراكة معارضين سوريين محسوبين على تركيا، ويقبلون بمصالحة دمشق”، لافتاً إلى أن ذلك دفع القيادة السورية إلى رفض اللقاء في موسكو، بعد الإحجام عن عدم تلبية شروطها المتمثلة في خروج القوات التركية من الشمال السوري، والتخلص من التنظيمات الإرهابية.”
من جهته، كتب المحلل التركي تشيتينير تشيتين في صحيفة “خبر تورك” التركيّة، عن أزمة الثقة التي لا يمكن تجاوزها مع سوريا، معتبراً أن “عملية التطبيع بين البلدين ستكون صعبة للغاية”، مضيفاً أن “الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، يريد جمع أردوغان والرئيس الأسد في كانون الثاني أو شباط المقبلَين، لكنّ الزعيمَين يريدان لعِب أوراقهما حتى اللحظات الأخيرة”، بحسب ما نقلته صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
واعتقد تشيتين أن “لدى دمشق قناعة بأنه يتعيّن الانتظار لمعرفة مَن سيَحكم تركيا في الانتخابات الرئاسية المقبلة، لكن هذه موضوعات لن تتغيّر بتغيُّر الحاكم في أنقرة ما دام ثمّة خطر على الأمن القومي التركي”.
وتابع أن “المسألة لم تَعُد مَن يحكم تركيا، بل هي مسألة دولة”، معتبراً أنه “هذه المرّة روسيا منشغلة في أوكرانيا، والولايات المتحدة تدرك أهمّية تركيا لدخول السويد وفنلندا إلى “حلف الناتو”، كما أن المسيّرات التركية ودعم نظام كييف عسكرياً سيجعلان واشنطن أقلّ استعداداً لإحداث صعوبات أمام أنقرة”.
على الرغم من أن دمشق لم تعلن أي موقف رسمي بشأن التقارب مع تركيا، فإن المحللين يرون أنها حسمت أمرها وقررت تأجيل لقاء المصالحة، إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية التركية، على الرغم من الضغوط الاقتصادية الهائلة التي تتعرّض البلاد لها.
أثر برس