خاص || أثر برس أيام قليلة تفصل السوريين عن توديع عام 2022 واستقبال عام جديد، بعد مضي مناسبة عيد الميلاد التي تجمع الكثير من العائلات ببعضها، ويتخللها تقديم هدايا للأطفال كما هو معتاد، إلا أن الظروف الاقتصادية لم تزح وشاحها حتى عن هذه المناسبة وطقوسها.
في دمشق، جهزت كثير من العائلات منازلها للمناسبتين، من خلال وضع الشجرة وتزيينها، إلّا أن “بابا نويل” لم يستطيع هذا العام دخول كل المنازل وتقديم الهدية التي يحلم بها كل طفل، فالأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تعصف بالبلاد أثرت بشكل كبير على القدرة الشرائية للأهالي، الذين يقفون عاجزين عن شراء ولو هدية واحدة لأطفالهم خلال العيد.
تقول كريستين وهي معلمة مدرسة وأم لثلاث أطفال لـ “أثر” إن “فرحة الأطفال لا تكتمل في العيد إن لم تكن هناك هديّة، لذا فإنها أمر لا بد منه” مؤكدة أن “هناك أمور أكثر إلحاحاً وأهم من الهدايا، مثل الطعام والشراب والطبابة والتعليم، لكن الهدية ضرورية للأطفال، ولو بكلفة وكمية أقل مقارنة بالأعوام الماضية ولكن الوضع سيئ جداً هذا العام والأسعار مرتفعة جداً”.
بدوره، يقول جورج من سكان حي القصاع لـ”أثر” إنه لم يستطع شراء الألعاب لطفليه ولم يحضر بابا نويل إلى منزلهم، فبالكاد يستطيع “تأمين لقمة العيش اليومية لهم بعد توقف عمله في الحرف اليدوية بشكل كامل.
هدية من البسطة:
أما مريم، فقررت شراء هدايا عيد الميلاد لطفلها من البسطة المتواجدة في منطقة البرامكة، مشيرة في حديثها لـ “أثر” إلى أن سعر القطعة الواحدة لا يتعدى 4 آلاف ليرة سورية ويوجد قطع بـ “ألفين وألف” لذلك يمكن شراء تشكيلة للطفل لكي يفرح.
وبحسب مريم فإن “النوعية التي تباع على البسطة لا تعد من الدرجة الأولى وهي رديئة ويمكن أن تنكسر بعد مدة قصيرة ولكن تبقى أفضل من أن أشتري له هدية بعشرات الآلاف أو لا أشتري له أبداً فهو طفل ولا يعلم بوضع البلاد والمعيشة الصعبة والأسعار المرتفعة”.
ارتفاع الأسعار 10 مرات:
تنطلق التحضيرات لعيد الميلاد ورأس السنة الجديدة، منتصف تشرين الثاني من كل عام، فتتلألأ رفوف المتاجر بالزينة والأضواء، وتُعرض “تشكيلة” واسعة من الألعاب، تحضيراً لبدء توافد الزبائن لاختيار هدايا العيد لأطفالهم.
يشير جواد الإبراهيم صاحب محل لبيع الألعاب في منطقة الشيخ سعد لـ “أثر” إلى ارتفاع أسعار الألعاب 10 مرات مقارنة مع سعرها في العام الماضي لذلك كانت مبيعات هدايا عيد الميلاد خجولة جداً فالأعباء الاجتماعية تطغى على شراء ألعاب وهدايا العيد، رغم أنه في الماضي كان الوالدان يحجزان هداياهم لأطفالهما في وقت مبكر، إلا أن الوضع تبدل اليوم.
وهنا أشار إلى أن الألعاب المستوردة تراجعت 80% عما كانت عليه في السابق لذلك يتم الاعتماد على التصنيع المحلي ضمن الإمكانيات المتوفرة حالياً، لافتاً إلى أن 90% من السوريين الناس يشترون الألعاب الرخيصة، و10 % منهم لا يزالون قادرين على شراء الألعاب المرتفعة السعر، وهناك نسبة من الأهل باتوا يشترون الألعاب التثقيفية أكثر من غيرها لأطفالهم، خاصة تلك التي يُعتبر سعرها مقبول لهم.
الاحتكار وجشع التجار:
وتختلف أسعار ألعاب الأطفال من محل إلى آخر، ولكنها وصلت إلى حد غير مقبول من المبالغة بسبب جشع النسبة الأكبر من التجار الذين يستغلون العيد لتحقيق مكاسب مضاعفة، الأمر الذي يحرج الآباء أمام أطفالهم إذا عجز الأب أو الأم عن شراء اللعبة التي يريدها الطفل لارتفاع ثمنها بما يفوق القدرة المالية.
أمين سر جمعية حماية المستهلك عبد الرزاق حبزة أكد في تصريح لـ “أثر” أن ألعاب الأطفال تعتبر من المواد الكمالية وجاءت ضمن حزمة المواد الممنوعة من الاستيراد خلال سنوات الحرب التي بدأت فيها الحكومة سياسة ترشيد الاستهلاك واستيراد المواد الضرورية التي تعد ذات حاجة يومية للمواطن، وهذه الخطوة أدت إلى احتكار الألعاب وارتفاع أسعارها للضعف.
وبين أنه لا يمكن أن نتصور مرور العيد من دون وجود ألعاب للأطفال ولكن أحياناً قد يختار الطفل لعبة باهظة الثمن، ولا تحقق نفعاً، لذلك أتدخل لمنعه، لأن الألعاب باهظة الثمن، وتربك ميزانية الأسرة التي معظم رواتبها لا تتجاوز الـ 150 ألف كحد وسطي في سوريا.
وختم خبزة حديثه بالقول: “بالمحصلة، لن يشبه عيد الميلاد الراهن أياً من الأعياد في السنوات السابقة، بسبب الأزمة الاقتصادية والمعيشية التي تضرب البلاد، إلا أن الأهل وأصحاب المبادرات الفردية يكافحون ويعملون بجد لرسم البسمة على وجه كل طفل خلال فترة العيد”.
نور ملحم