أثر برس

حرفة دمشقية شبه منقرضة.. شخص واحد فقط يعمل في التطريز بخيوط الذهب وسعر القطعة يتجاوز الـ 9 مليون ل.س

by Athr Press G

خاص || أثر برس تميزت الدمشقيات في الماضي الجميل بإتقان أعمال التطريز التي لطالما عملن بها على مر قرون، فهي تعد حرفة من الحرف المنزلية البحتة التي تناقلتها النساء وطوّرنها، لا بل إن انتهاء الشابات من تطريز أغطية أسرّتهن كان دليلاً على جهوزيتهن للزواج، وبالتالي كانت النساء تتنافس لإنتاج أفضل الإبداعات، والتشكيلات والتقنيات في التطريز وبخيوط من ذهب كدليل على التميز والغنى.

وشملت أعمال التطريز العديد من الأدوات المنزلية كالوسائد واللوحات الجدارية، وقطع الملابس، والحلى، والحقائب اليدوية، وغيرها من أغراض الزينة، فيما تميزت هذه الأعمال في سوريا من خلال دخولها في مفارش المائدة والأسرّة المطرّزة بإتقان.

عدول الحرفيين عن العمل:

عبد الكريم الأصيل صاحب ورشة عمل لصنع البروكار، يؤكد أنه لا يوجد سوى شخص واحد مسجل في جمعية الحرفيين ويعمل في مجال تطريز خيوط الذهب وهو عبد الله القصير.

يقول الأصيل لـ “أثر”: “نعمل هذه الأيام بقدر قليل جداً، في الماضي كنا نشتري الحرير من شركتي دريكيش والأسعد ولكن الشركتين توقفتا عن العمل خلال سنوات الحرب لذلك كان بدأنا نبحث عن البدائل وهي شراء هذه الخيوط من خارج سوريا”، مضيفاً: “قبل الحرب كنا نشتري كيلو خيط الحرير من شركة الدريكيش بحوالي 2750 ليرة سورية، أي ما يعادل 50 دولار، أما اليوم فسعر الكيلو الذي نشتريه بحوالي 130 دولار”.

وأضاف الأصيل: الحكومة لا تقدم أي نوع من الدعم لنا، في الماضي كنا نشتري 30- 50 كيلو بحكم أن نسبة الدفع قليلة، أما اليوم بحال كنا نرغب بشراء نص طن من الخيط الحريري من الخارج فهو مكلف ومرتفع الثمن لذلك خففنا الكمية والعمل وأصبحنا نعمل على الطلب فقط، رغم أن بضائعنا كانت تطلب للخارج بشكل كبير كنوع من الهدايا الفخمة للسفارات ومجلس الشعب والوزارات والسياحة الأجنبية.

الصين والهند:

مصدر خيطان الذهب التي يعمل بها “الأصيل”، تصنع في فرنسا ويتم شراؤها من الصين أو الهند حيث نسبة الذهب فيها تتراوح ما بين 2-3 بالألف، والشخص الذي يطرز بهذا النوع من الخيطان في سوريا يستخدم الذهب الأصفر والأبيض (عيار 12 و18 و21) والفضة، ويوجد ببعض القطع نسبة تتراوح ما بين 6- 10 غرامات حيث يصل سعر العباءة الواحدة إلى 1500 دولار (أكثر من 9 مليون ليرة سورية)، وهي كانت مطلوبة للعراق والخليج في الماضي بشكل كبير، لكن اليوم تباع بنسبة قليلة جداً حيث 80% أصبح يستخدم هذا النوع من الملابس للزينة فقط و20 % يستخدمه كملبس.

وعن الأدوات والآلات المستخدمة، يقول: “تصنع جميع القطع يدوياً، فالآلة الموجودة لدي هي آلة يدوية وليست إلكترونية، وعمرها الآن نحو 130 عاماً وليس هناك سوى آلة واحدة حيث يتوزع العمل ما بين تطريز الآلة اليدوية والعمل اليدوي”.

أما المجالات التي يدخل التطريز بخيوط الذهب فيها، فهي “اللوحات الجدارية، والكوشن، والستائر، ومفارش غرف النوم، وصواني التمر والفواكه، وبدلات العرائس، وفساتين السهرة، وسجاجيد الصلاة، والعباءات الرجالية والنسائية، ومفارش الطاولات وغرف الجلوس”.

ويشير إلى أن القطع المصنوعة أصبحت تملك هوية ملكية وليست عادية ومن يملك هذه القطع أو يطلبها يكون لديه قصر، مضيفاً: “عملنا اليوم على مستوى القصور والقطع التراثية الملكية، لجمال القطعة وتفردها وتكلفتها من الذهب، فلدي قطع تحتوي على 2 كيلو من الذهب وأحياناً أكثر فهذه القطع كانت في الماضي تطلب للدول الأوربية وفرنسا والخليج والسعودية والعراق، لكن العمل تأثر بسبب الظروف السياسية والاقتصادية بالدرجة الأولى حيث أصبحت عملية التصدير إلى الخارج صعبة ومكلفة جداً بسبب الضرائب والرسوم المفروضة وخصوصاً كون جميع القطع تحتوي على الذهب”.

لا يوجد خيوط للعمل:

بدوره أكد رئيس جمعية الحرفيين فؤاد عربش في تصريح لـ “أثر” أن هذه الحرفة لم تعد حكراً على النساء، خاصة في دمشق التي تشتهر بالأعمال الحرفية اليدوية المتقنة، لذلك دخل الرجال على خط العمل في هذه الحرفة التي امتهنها بعض الدمشقيين لأجل التجارة، فكانت ولا تزال رابحة، وعملوا على تطويرها، فمن استخدام أنسجة القطن والكتان والحرير والصوف كخيوط إلى استعمال الورق المقوّى والجلد وأقمشة أخرى كمادة للتطريز عليها، لكن تطور الأمر من استعمال الخيوط العادية إلى خيوط الذهب والفضة، التي تلاقي منذ أول استخدام لها رواجاً كبيراً .

وأضاف عربش: “صحيح أن التكنولوجيا دخلت عالم التطريز إلا أنه يبقى لليد الماهرة والإبرة والغرزة رونق خاص لا تستطيع أن تنقله الآلات، فالتطريز فن وإن استطاعت الآلة أن تسد فراغاً معيناً لمقتضيات تجارية، فإن لا شيء يحل مكان الإنسان وقدرته على الابتكار”.

وختم عربش حديثه بالحديث عن انعكاسات الوضع الاقتصادي والمعيشي على حرفة التطريز بالذهب، التي كانت تعتمد على السياحة بالدرجة الأولى ولكن وبحكم أنه اليوم لا يوجد في سوريا سياحة أجنبية كما أنه لا يوجد إنتاج لمعامل الخيوط بل هي مستوردة والخيط يلبس في الذهب، لا يصنع من الذهب مثل الماضي كما أن المواطن السوري غير قادر على شراء مثل هذا النوع من القطع النادرة بل أصبح يتجه إلى التطريز الآلي بحكم أنه منخفض السعر.

نور ملحم – دمشق

اقرأ أيضاً