أثر برس

كتب زياد غصن.. بعد أكثر من 6 عقود على التأميم: هل يحق للحكومة طرح المنشآت المؤممة للاستثمار؟

by Athr Press A

زياد غصن ـ خاص|| أثر برس تعكف عدة وزارات منذ فترة على إعداد مشروع تشريعي يتضمن إحداث هيئة عامة تتولى إدارة أملاك الجهات العامة واستثمارها بما ينعكس ايجاباً على عائديتها الإقتصادية، لاسيما وأن السنوات السابقة كشفت عن حالات غبن وفساد شابت عملية استثمار الكثير من أملاك الجهات العامة، فيما لاتزال هناك عقارات ومنشآت قيمتها السوقية بمليارات الليرات، إما أنها بلا استثمار أو استثمارها الحالي غير مجد.

على أهمية الخطوة في تنظيم عملية استثمار أملاك الجهات العامة وضبط عمليات الاستغلال والفساد الحاصلة حالياً، إلا أنها أيضاً تثير  تساؤلات مهمة ذات أبعاد تمس في جانب منها مضمون القوانين والتشريعات المطبقة في البلاد، وفي جانب آخر فلسفة الدولة وعلاقتها مع مواطنيها. إذ أن الحديث عن طرح أملاك الدولة للاستثمار الخاص يقودنا من دون شك إلى ملف المنشآت والعقارات التي جرى تأميمها في خمسينيات وستينات القرن الماضي، والأراضي التي تم استملاكها لاحقاً. فهل سيكون جائزاً قانونياً طرح هذه المنشآت والعقارات أو بعضها للاستثمار الخاص، وبغض النظر عن المدة الزمنية التي تفصل بين قرار التأميم والاستملاك وبين عملية طرحها للاستثمار؟ وإذا كان ذلك جائزاً من وجهة نظر القانون فهل هو كذلك لجهة فلسفة علاقة الدولة بمواطنيها؟

*بالقانون

تذهب آراء معظم القانونين العاملين في مؤسسات الدولة إلى أنه “مادامت هذه المنشآت والعقارات والأراضي نقلت ملكيتها للدولة، فإنه بإمكانها أن تتصرف بها تصرف المالك بملكه. وتالياً فهم لا يجدون أي مانعاً قانونياً يحول من دون طرح مثل هذه المنشآت والعقارات للاستثمار العام أو الخاص” يقول أحد خبراء القانون الحكوميين والذي طلب عدم نشر اسمه، فيما يشير الخبير التنموي الدكتور فادي عياش إلى أن التأميم عبارة عن نقل الملكية من الخاص إلى العام، وينطبق على الأملاك المؤممة ما ينطبق على أملاك الدولة تماماً، وتالياً يجوز للدولة التصرف بها حسب الأنظمة والقوانين التي تحكم أملاك الدولة. ويضيف عياش في حديثه لـ”أثر برس” أنه لا يجد مشكلة في طرحها للاستثمار، إنما الأنسب أن تكون أولوية استثمارها من نصيب أصحابها الأصليين وورثتهم قبل التأميم. ويبقى الأصح والأصوب هو إعادة هذه الأملاك إلى أصحابها ما دامت ستعرض على الاستثمار، لكن أعتقد أن مثل هذا التفكير غير موجود حالياً.

السؤال عن مدى قانونية طرح المنشآت المؤممة للاستثمار الخاص، دفع بالأستاذ في كلية الحقوق الدكتور عصام التكروري إلى البحث طويلاً للوصول إلى رأي دقيق، وبتقديره فإنه “لا يُمكن إعطاء إجابة قانونية جامعة مانعة عن هذا السؤال كونه يرتبط بسياق تاريخي سياسي مُعقد بعض الشيء، ولكي نختصر الإجابة ونبسطها لابد لنا في البداية من التفريق بين الأملاك العامة للدولة وبين الأملاك الخاصة للدولة، فالأولى هي الأموال التي تملكها الدولة و أشخاصها الاعتبارية من عقارات ومنقولات وتكون مخصصة للمنفعة العام. بينما الثانية هي جميع العقارات والعقارات بالتخصص والمنقولات التي تملكها الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة غير المخصصة لمنفعة عامة، وعليه إذا ورد في صك التأميم بأن تأميم منشاة أو عقار هو للمنفعة العامة فإن إدارته وإستثماره محصور بالدولة وحدها كون المنشأة أو العقار يأخذ حينها صفة المال العام، وهذا يقتضي أن استثمارها محصور بالدولة وفقا للمادة الرابعة عشرة من الدستور التي نصت على أن “الثروات الطبيعية والمنشآت والمؤسسات والمرافق العامة هي ملكية عامة، تتولى الدولة استثمارها والإشراف على إدارتها لصالح مجموع الشعب، وواجب المواطنين حمايتها”. أما إذا لم يرد في صك التأميم أنه تمَّ للمنفعة العامة فالعين المؤممة يكون لهاـ بتقديري ـ صفة الأملاك الخاصة العائدة للدولة والتي يجوز لها أن تستثمرها بالذات أو عن طريق القطاع الخاص باعتبارها عقارات تملكها الدولة أو الأشخاص الاعتبارية العامة وغير مخصصة للمنفعة عامة، فالمادة الأولى القانون رقم 252 لعام 1959 ـ المتضمن أملاك الدولة الخاصة عرّفت أملاك الدولة الخاصة بأنها “العقارات المبنية وغير المبنية والحقوق العينية غير المنقولة التي تخص الدولة بصفتها شخصاً اعتبارياً بموجب القوانين والقرارات النافذة سواء أكانت تحت تصرفها الفعلي أم تحت تصرف أشخاص آخرين”، وجاءت الفقرة 11 من ذات المادة لتعتبر من قبيل أملاك الدولة الخاصة “العقارات التي تؤول للدولة بحكم القوانين النافذة” أي قوانين التأميم ضمناً طالما أنه لم يتم إلغائها”.

ويضيف في حديث خاص لـ” أثر برس”: لكن الحاصل اليوم أن الكثير من صكوك التأميم المتاحة للاطلاع لا تذكر حرفياً عبارة “التأميم للمنفعة العامة”، والذي يزيد الأمر تعقيداً أن غالبية صكوك التأميم ـ ولاسيما تلك الصادرة في الفترة الواقعة ما بين 1959 و 1964ـ  طالت جملة من الممتلكات الوطنية التي يمكن أن نعتبرها ـ بعد تأميمها ـ تصب في خانة الأملاك الخاصة المملوكة للدولة مثل تأميم شركة الدبس والشركة الخماسية بالمرسوم التشريعي رقم 56 لعام 1964 والمرسوم التشريعي رقم 57 لعام 1964 والمتعلق بتأميم الشركة العربية لصناعة الأخشاب، هذان المرسومان نصّا على أنّ التأميم الحاصل يجعل ملكية الشركات المستهدفة تؤول للدولة دون أن يحدد إذا كان التأميم قد تم للمنفعة العامة، لكن طبيعة الخدمة التي كانت تقدمها الشركات المؤممة لا يغلب عليها صفة الصالح العام، وعليه ـ وبرأي الشخصي ـ فإن هذه الشركات تصب في خانة الأملاك الخاصة للدولة، أي يمكن أن تخضع للإستثمار من قبل القطاع الخاص فيما إذا رغبت الدولة بذلك، في حين أن صكوك التأميم في المدة التي تمتد من عام 1951 حتى 1955 استهدفت الممتلكات الأجنبية مثل تأميم شركات الحافلات الكهربائية و الكهرباء في دمشق و حماة و حلب ودير الزور و القامشلي عام 1951، التأميم الحاصل هنا تمّ للمنفعة العامة كون طبيعة الخدمة التي تقدمها المنشاة تتعلق بالصالح العام، و بالتالي ـ وبحكم الدستور يقع على عاتق الدولة الحصري إدارة واستثمار قطاع الكهرباء، من هنا أؤكد على ما سبق و قلته مراراً لجهة أن القانون رقم 5 لعام 2016 والمعروف باسم قانون التشاركية هو قانون مشوب بعدم الدستورية كونه أتاح للقطاع الخاص تملك المال العام دون أساس دستوري يسمح بذلك. باختصار شديد أقول: تحديد ما إذا كان المال المؤمم هو يدخل في عداد الأملاك العامة للدولة أو الأملاك الخاصة لها يستند إلى أحد معيارين: إما صك التأميم أو طبيعة المنشاة التي طالها التأميم”.

*وبالعقل

لنترك البت في دستورية وقانونية مثل هذا الملف للمؤسسات الدستورية والقانونية، ولنناقش أبعاد الخطوة من منظور علاقة مؤسسات الدولة بمواطنيها وما يمكن أن يكتنفها من إشكاليات جراء مثل هذه الخطوة. إذ أن طرح المنشآت والعقارات المؤممة والأراضي المستملكة للاستثمار الخاص يشكل اعترافاً واضحاُ بفشل مؤسسات الدولة باستثمارها، وهذا ينفي الغاية التي جرى من أجلها تأميمها واستملاكها. لكن وما دام التفكير لم يصل بعد إلى إعادة المنشآت والعقارات المؤممة لأصحابها، فإن الأنسب هو ما قاله الدكتور عياش لجهة أن تكون أولوية استثمارها من نصيب أصحابها قبل التأميم أو ورثتهم. فهل هذا يمكن أن يحدث؟ وهل هناك من يفكر بذلك؟ ثم إن القيام باستملاك عقارات واسعة في مناطق متميزة منذ سنوات طويلة مقابل منح أصحابها تعويضات زهيدة، ومن ثم قيام الحكومة بعرضها على مستثمرين لاستثمارها وتحقيق أرباحاً كبيرة، هو إجراء ينال من مصداقية مؤسسات الدولة وموضوعية قراراتها بنظر المواطنين، ولذلك فإن الخيار الأنسب هنا يكمن في إعادة منح تعويضات عادلة عند منح أي عقار مستملك للقطاع الخاص كي يستثمره.

اقرأ أيضاً