خاص || أثر برس تمكن الطفل مصطفى ذو 12 عاماً من اللعب بالكرة من جديد بعد الحرمان الذي كان يسيطر على حياته في السنوات الماضية بسبب مشكلة يعاني منها في القلب.
الطفل المنحدر من درعا كان يعاني من مشكلة في الشريان الأبهر ولديه فتحة في القلب، وتضيق رئوي بحسب ما بينت والدته نجلاء لـ”أثر”، مبينة أن مصطفى كان يعاني منذ الولادة من مرض في القلب أدى إلى حرمانه من أي جهد جسدي خوفاً على حياته، حتى أنه في الماضي كان دوامه في المدرسة متقطعاً ما أثر على دراسته وصفوفه.
استمرت رحلة عذاب العائلة طيلة 12 عاماً، أنفقت خلالها كل مدخراتها لمعالجة وحيدها، وما إن سمعت بمبادرة “قلب جديد– أمل جديد “، تواصلت مع الطبيب المسؤول فوراً والذي أبدى ترحيبه وأجريت العملية للطفل واليوم مصطفى بصحة جيدة، ومواظب على دراسته.
“قلب جديد – أمل جديد”، هي مبادرة إنسانية تعنى بعلاج الأطفال السوريين المصابين بأمراض قلبية، ممن تتطلب حالاتهم إجراء عمليات جراحية وتكاليف باهظة، لا يمكن لعدد من الأسر دفعها في سوريا، التي تعاني تبعات الحرب وويلاتها.
أطلق المبادرة الدكتور السوري عصام قماش المقيم في فرنسا منذ 17 عاماً، وهو اختصاصي واستشاري أمراض القلب عند الأطفال، وأعلن عن مبادرته في العام الماضي بعد زيارته إلى سوريا لمعالجة الأطفال السوريين مجاناً على نفقة جمعية “الإخاء” الفرنسية.
صعوبة المعالجة في سوريا:
يؤكد الدكتور قماش لـ “أثر” أن الدافع من هذه المبادرة هو أن العديد من الأطفال في سوريا حالياً متروكون من دون علاج لأسباب عديدة، منها صعوبة إجراء هذه العمليات من الناحية التقنية في سوريا أو بسبب صعوبات مادية ففي بعض الحالات يعرض على الأهل عمليات في مشافي خاصة لكن الأهل لا يستطيعون تحمل تكاليفها التي قد تصل لـ 40 مليون ليرة سورية.
ويكمل الطبيب: “هؤلاء الأطفال في أغلب الأحيان لا يكتب لهم حياة طويلة من دون هذه العمليات ولا يجب التأخر بإجرائها، لذلك أسسنا وبنجاح هذه المبادرة بالتعاون مع جمعية خيرية فرنسية تدعى جمعية الإخاء MECENAT والتي تعنى أيضاً بأمراض القلب عند الأطفال ولديهم خبرة طويلة منذ 25 عاماً، حيث تتم دراسة كل حالة تصل للمبادرة، ويتم تجهيز الملف بعد ترجمته لتأمين قبول طلبه، وتوفير تسهيلات السفر والرعاية قبل العملية وبعدها”.
ويتابع: “أنا من ضمن طاقم عمل الجمعية الفرنسية وأعمل طبيباً استشارياً لهم وهذا يسهل ربط مبادرتنا في سوريا مع هذه الجمعية الفرنسية التي يتم تمويلها من الشعب الفرنسي والشركات والمدارس وهي جمعية غير حكومية وغير دينية”.
مبادرة للجميع..
يذكر الدكتور القماش، أن المبادرة متاحة لكل الأطفال في كل المحافظات من دون تمييز، والشرط الوحيد الذي يجب توفره هو فقط أن تكون حالة الطفل قابلة للعلاج والجراحة، لأنه في بعض الحالات المتأخرة جداً لا يمكن إجراء هذه العمليات.
وبين أن العمليات في فرنسا يتم إجراؤها حتى الآن في باريس ضمن مشفى متخصص، لكن بسبب ارتفاع أعداد المرضى يمكن إجراؤها بالمستقبل في باقي مناطق فرنسا أو في سويسرا، حيث إن العمل مستمر حتى الآن، إذ يوجد حالياً 3 أطفال في باريس للعلاج، و 5 أطفال جاهزين للسفر خلال الـ 3 أشهر القادمة سيحضرون من دمشق، ومن السويداء ومن ريف دمشق، صافيتا، الرقة وطرطوس والعديد من المحافظات.
دخول لبنان صعب..
أما الصعوبات الكبرى التي تواجه فريق العمل، لخصها الطبيب بإجراءات الحصول على الفيزا في لبنان، فهناك نوع من التضييق على دخول السوريين إلى لبنان في الفترة الأخيرة وذلك يعقد الإجراءات، متمنياً الحصول على اتفاق مع الأمن العام اللبناني لتسهيل دخول الأطفال المرضى وأهاليهم.
من ناحية أخرى، تحدث عن وجود تسهيلات كثيرة وتعاون وثيق من قبل السفارة الفرنسية في بيروت والتي لم ترفض أي فيزا لطفل سوري حتى الآن، بل على العكس فإنهم يحاولون إيجاد حلول للمشاكل التي تواجههم.
حالات أخرى:
مصطفى ليس الوحيد الذي تم إرساله لفرنسا بهدف المعالجة بل الكثير من الأطفال أيضاً كان مصيرهم مشابه لمصيره، منهم الطفل زين ذو الـ 5 سنوات كان لديه تشوه في القلب يسمى “انسداد الصمام الرئوي”، مع فتحة بين البطينين وضمور في حجم الشرايين الرؤية.
أيضاً الطفل عبد الهادي من محافظة السويداء يشرح والده حالته قائلاً لـ “أثر”: “كان الأمر معقد جداً، حيث تم اكتشاف مرض طفلي في مشفى السويداء وتم تحويله للعلاج إلى دمشق دون نتيجة إيجابية رغم إنفاق مبالغ خيالية فالجميع كان يردد جملة “الأعمار بيد الله “.
ويضيف الأب: “حذرنا الأطباء من خطورة القيام بمثل هذه العملية لطفل لم يتعد الأشهر في بداية الأمر وبسبب ظروف الحرب أصبح الأمل بنجاح العملية ضئيل جداً، لكن وبعد التواصل مع الدكتور القباش عند زيارته لسوريا، أكد أنه يمكن معالجته في فرنسا ويمكن أن يعود لحياته الطبيعة دون أي انتكاسات وقد صدق بالفعل بتقديم العلاج والعملية نجحت وعادت لطفلي الحياة من جديد”.
مئات الأطفال ينتظرون اليوم دورهم للسفر إلى فرنسا بعدما قدمت المبادرة مع المنظمة الفرنسية أملاً جديداً لهم، حيث يتم علاج أكثر من 4 آلاف طفل قدموا من مختلف الدول، وتتكفل الجمعية بإجراء العمليات إذا توفرت الشروط، منها أن تكون حالة الطفل قابلة للعلاج والجراحة، إضافة إلى موافقة الأهل على استقبال الطفل أثناء علاجه في فرنسا عند عائلة تعرفها الجمعية، على أن هي تتكفل بنفقات العلاج وتذاكر سفر الطفل، وعلى الأهل دفع تكاليف معاملة الحصول على الفيزا فقط.
نور ملحم