أثر برس

كتب زياد غصن.. التحويلات الخارجية للأسر السورية: البحصة لم تعد تسند جرة!

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس دوماً، ومع اقتراب حلول فترة الأعياد الدينية، تزداد قيمة إجمالي التحويلات المالية الخارجية الواردة إلى الأسر والأشخاص داخل سوريا، وهذا أمر كانت تؤكده بوضوح البيانات الرسمية المعلنة قبل العام 2011، ولم يتغير الحال كثيراً خلال سنوات الأزمة، لكن ذلك كان وفقاً لقيمة التحويلات المالية المتحققة فعلاً، والتي يمكن تسجيل ملاحظتين أساسيتين عليها:

-الأولى ترجح فرضية زيادة قيمة إجمالي التحويلات الخارجية متأثرة بعدة عوامل من قبيل تراجع الأوضاع الاقتصادية والمعيشية في الداخل، وما لعبه ذلك من اتساع مساحة تعاطف السوريين الموجودين في الخارج مع نظرائهم في الداخل، إضافة إلى ارتفاع عدد اللاجئين والمهاجرين المستقرين في دول عربية وغربية، إذ أن التقديرات تتحدث عن وجود أكثر من مليون مهاجر سوري في أوروبا، فضلاً عن توافد آلاف الكفاءات والعاملين إلى دول الخليج وتركيا ومصر ولبنان وغيرها من الدول للعمل والإقامة، وتالياً فإن جميع هؤلاء شكلوا مصدراً جديداً للتحويلات الخارجية يضاف إلى السوريين الموجودين في الخارج قبل الأزمة.

-الملاحظة الثانية أنه مقابل فرضية زيادة قيمة إجمالي التحويلات الخارجية، فقد شكلت العقوبات الغربية على القطاع المصرفي السوري بدءاً من العام 2011 وصولاً إلى العام 2020، والذي شهد تطبيق قانون قيصر، عائقاً أساسياً في تدفق التحويلات الخارجية عبر القنوات الرسمية، وهو الأمر الذي جعل من البيانات الرسمية والتي وإن توفرت فإنها غير دقيقة أو لا تغطي الملف كاملاً، إذ إن قيمة التحويلات الخارجية التي تتم عبر القنوات غير الرسمية وعبر دول الجوار أكبر بكثير من السابق، وهي غالباً ما تكون الخيار الوحيد في ظل العقوبات الغربية من ناحية، واعتماد المصرف المركزي طيلة سنوات لسعر صرف أقل بنسبة كبيرة عن السعر المتداول في السوق المتوازية من ناحية أخرى.

-لا أحد يعرف

تذهب معظم التقديرات غير الرسمية إلى أن إجمالي قيمة التحويلات الخارجية يتجاوز سنوياً عتبة الـ 5 مليارات دولار، نصفها كان يتم عبر القنوات الرسمية بمعدل يقدر وسطياً بحوالي 7 ملايين دولار يومياً، ومثلها عبر القنوات غير الرسمية المرتبطة بشركات موجودة في دول مجاورة كتركيا، لبنان، والأردن. وبمكاتب منتشرة في عدد من الدول الأوروبية، ويرتفع الرقم المشار إليه سابقاً خلال شهر رمضان المبارك وفترة الأعياد الدينية ليصل إلى ما بين 10-12 مليون دولار أي بزيادة تقدر ما بين 42-72%، وتأكيداً على ذلك فإن صافي التحويلات الجارية من العالم الخارجي يحسب المجموعة الإحصائية لعام 2020 بلغت حوالي 3067 مليار ليرة، أي ما يعادل تقريباً حوالي 3 مليارات دولار بناء على سعر صرف رسمي للحوالات قدره 1256 ليرة.

لكن، وتبعاً لعدة مؤشرات بدأت ملامحها بالتشكل بدءاً من العام الماضي 2022، فإن التوقعات ترجح فرضية تراجع إجمالي قيمة التحويلات المالية الخارجية بنسبة لاتزال غير واضحة إلى الآن، وذلك في ضوء غياب أي مؤشرات إحصائية موثوقة يمكن الاستناد عليها. ومن هذه المؤشرات ما يتعلق بالأوضاع الاقتصادية السائدة في أوروبا على خلفية تأثيرات الحرب الأوكرانية، والتشديد الغربي على المهاجرين واللاجئين لمنعهم من تحويل أي مبالغ مالية إلى ذويهم وأقاربهم في سوريا.

ومع ذلك، وبغض النظر عن نسبة ذلك التأثر، فإن تحسن التحويلات الخارجية خلال فترة شهر رمضان الحالي وعيد الفطر يبدو واضحاً، بدليل الازدحام الحاصل على شركات الحوالات هذه الأيام ونشاط عمليات تسليم الحوالات غير النظامية، كما أن المعلومات الأولية تتحدث عن تحسن التحويلات عبر القنوات الرسمية، لاسيما بعد اعتماد المصرف المركزي لسعر الصرف المتداول أساساً لصرف قيمة الحوالات الخارجية.

– أقل من المتداول

ليس ثمة شك أن التحويلات المالية الخارجية مثلت على مدار سنوات الأزمة الطويلة سنداً أساسياً لمعيشة مئات الآلاف من الأسر السورية، إلا أن هناك تبايناً لا يلاحظه الباحثون ووسائل الإعلام أثناء مقاربتهم لهذا الملف، تباين يتركز بين تحول هذه التحويلات إلى مصدر دخل أساسي لشريحة ما من الأسر، وبين كونها أحد مصادر الدخل الداعمة لشريحة أخرى من الأسر، وعلى ذلك فإن جميع التقديرات التي تتحدث عن عدد السوريين المستفيدين من التحويلات المالية الخارجية غير دقيقة أو هي عبارة عن استنتاجات بسيطة لا تستند إلى منهجية علمية في إنتاجها، وأحياناً هي تقديرات مبالغ فيها خدمة لمصالح معينة، وتالياً لا يمكن اعتمادها.

علمياً وإحصائياً ليس هناك من بيانات متوفرة سوى ما تضمنه مسح الأمن الغذائي الذي تم بنهاية العام 2020، وأشار صراحة إلى أن نسبة الأسر السورية المبحوثة، والتي تلقت دعماً مالياً من أحد أفرادها في الخارج بلغت حوالي 4.5%، وإذا ما أسقطنا هذه النسبة على عدد الأسر الموجودة في البلاد تبعاً لعدد البطاقات العائلية الالكترونية، فهذا يعني أن عدد الأسر المستفيدة من التحويلات الخارجية يصل إلى حوالي 180 ألف أسرة، أي ما يقرب من 900 ألف شخص، وهو من دون شك أقل بكثير من توقعات البعض. لكن نحن نتحدث عن مسح جرى في نهاية العام 2020، فهل تراجعت النسبة أو زادت في العام 2022؟

وحسب نتائج ذلك المسح فإن 7.7% من الأسر التي تلقت دعماً مالياً خارجياً كانت آمنة غذائياً، و8.3% كانت تعاني من انعدام شديد في أمنها الغذائي، و42.2% تعاني من انعدام متوسط في أمنها الغذائي، و41.7% معرضة لانعدام أمنها الغذائي، ومثل هذه النسب تكشف تماماً أثر التحويلات المالية في حياة العديد من الأسر، والوضع المأساوي الذي تعيشه أسر أخرى، التي ورغم الدعم المالي الذي تتلقاه من أفرادها المقيمين في الخارج، إلا أنها تعاني أوضاعً غذائية خطيرة.

لذلك لا يمكن تجاهل أهمية التحويلات المالية الخارجية في حياة مئات الآلاف من الأسر، لكن في المقابل هذه التحويلات هي في النهاية مجرد “بحصة” لم تعد قادرة على أن “تسند جرة” كما في السابق، فهي من جهة معرضة لتقلبات سياسية واقتصادية عديدة، أي أنها ليست حلاً اقتصادياً مستداماً في مواجهة الوضع المعيشي المتردي، والذي يتطلب إجراءات إصلاحية داخلية، جوهرية وحقيقية.

اقرأ أيضاً