منذ أن وقّعت موسكو وواشنطن مذكرة “منع التصادم” بينهما في الأجواء السورية عام 2015، بدا أن الطرفين يدركان أهمية تنسيق العمليات الجوية من جهة أن البروتوكول العسكري يفرض ذلك، ومنعاً لحدوث أي احتكاكات مباشرة من جهة أخرى.
ولم يُسجّل في السنوات الفائتة أي انتهاكات لافتة من قِبل موسكو أو واشنطن، غير أن مركز المصالحة الروسي سجّل أخيراً 1761 حالة انتهاك من طائرات “التحالف الدولي” بقيادة الولايات المتحدة في المناطق التي حددتها بروتوكولات عدم التصادم، وذلك منذ الأول من كانون الثاني 2023.
ومنذ نحو شهرين، تصاعدت الاحتكاكات الروسية- الأمريكية في الأجواء السورية، وأصبح من المعتاد أن يصدر مركز المصالحة الروسي بياناً كل يوم يسجّل فيه انتهاكات لطائرات “التحالف الدولي” لمذكرة “منع التصادم” حتى تجاوزت 300 في شهر تموز الفائت فقط.
وكذلك أكد مسؤولون أمريكيون أنه سُجلت 6 حوادث احتكاكات بين الطائرات الروسية- الأمريكية في سوريا، ووصفت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون) تصرّف طائرة روسية حلّقت بأسلوب خطير في 18 تموز الفائت بالقرب من مسيّرات أمريكية بأنه “سلوك متهور”.
وجاءت تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين يوم السبت الفائت، بشأن استعداد روسيا لأي سيناريو على الرغم من أنها لا تريد صداماً عسكرياً مباشراً مع الولايات المتحدة، في معرض سؤالٍ عن الاستفزازات الأمريكية في سوريا، لتزيد من أسئلة الباحثين أنه هل سيبقى الاحتكاك الروسي- الأمريكي مضبوطاً؟
وفي هذا الإطار يرى الباحث في الشؤون الروسية محمود حمزة في حديث لصحيفة “القدس العربي” أنه “لا يوجد توتر حقيقي بين موسكو وواشنطن، بل هو “توتر جزئي لن يؤدي إلى صدام عسكري، ولن ينتهي بهم المطاف إلى الفراق وكما نعلم أن بين الجانبين اتفاقية فض اشتباك وتنسيقاً على الأرض السورية لتجنب الاحتكاك بين القوات الجوية ولتنسيق النشاطات العسكرية للطرفين”.
وبشأن تصاعد الاحتكاكات بينهما في المدة الأخيرة، اعتبر حمزة أن “ذلك مرتبط بالحرب في أوكرانيا، والوضع الميداني في سوريا؛ بسبب استهداف القواعد الأمريكية فيها، فضلاً عن نشاطات القوات الروسية”.
وأضاف: “هذا كله يصب في ميزان الضغط السياسي والإعلامي، إذ إنّ كل جانب يحاول أن يمارس هذا الدور على الطرف الآخر لتحقيق مكاسب سياسية”، لافتاً إلى وجود مصالح جيوسياسية كبيرة”.
وخلص الباحث في الشؤون الروسية إلى “استحالة أن تنزلق الأوضاع إلى صدام عسكري شامل بين الطرفين، معتبراً أن “هذا خطير وسينقل الوضع إلى مستوى آخر”، مضيفاً: إنّ “كان هناك صدامات لا بد أن تحدث، فسوف تكون بالوكالة، أما أن تصل الأمور إلى أن تتصادم دول كبرى على الأرض السورية فهذا مستبعد تماماً”.
ويتشابه هذا الرأي مع تقديرات اللواء المصري نصر سالم، الذي استبعد أيضاً في حديث لقناة “روسيا اليوم”، بأنّ “تتورط الولايات المتحدة بأسلوب مباشر في مواجهة مع روسيا في سوريا”، مرجحاً أنها “ستجعل القوى المتحالفة معها تخوض حرباً بالوكالة”.
وتعليقاً على تصريحات الرئيس الروسي، قال إنّ “بوتين يعي جيداً في خطابه عن إمكانية حدوث مواجهة بين أمريكا وروسيا على الأراضي السورية”.
ويشرح سالم، بأنّ “الأمريكيين من الممكن أن يلجؤوا لتسخين الجبهة السورية لاعتبارات عدة، أوّلها أنهم مشتبكون عسكرياً رفقة دول (حلف الناتو) مع روسيا على الأراضي الأوكرانية ولو بأسلوب غير مباشر، ومن ثم فإن فتح جبهة جديدة مع روسيا على الأراضي السورية وارد وبقوة والرئيس بوتين يعلم ذلك جيداً ومن ثم أطلق هذا التصريح التحذيري”.
وقال: “من الممكن أن يكون فتح جبهة جديدة مع روسيا فى سوريا من قبل الأمريكيين بأسلوب غير مباشر أيضاً من خلال إعادة تمويل وتسليح تنظيم “داعش” أو الأكراد أو غير ذلك من القوى الموالية لهم على الأراضي السورية، وذلك لتشتيت الجهود الروسية واستنزاف قواها العسكرية وهو الأمر الذي ينتبه إليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين جيداً؛ لذلك إنّ تصريحاته محسوبة بدقة”.
وتابع سالم: “ربما يكون إخفاق القوات الأوكرانية في تحقيق أي نتائج ملموسة على الأرض في مواجهة القوات الروسيّة سبباً آخر لرغبة الأمريكيين في فتح جبهة جديدة في سوريا”.
أثر برس