أثر برس

كتب زياد غصن.. سوريا شبه خالية من كفاءاتها النفطية المدربة دولياً

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس كتب الكثير عن هجرة الكوادر البشرية من سوريا خلال سنوات الحرب، لكن معظم المقالات الصحفية كانت، وعلى أهميتها، ترصد الظاهرة الخطرة، إما من وجهة نظر عمومية من دون الخوض في التفاصيل التي توضح حجم خطورتها، أو أنها كانت تركز على مهن معينة دون غيرها ولاعتبارات غير علمية كهجرة الأطباء مثلاً، وهذا سببه نقص المعلومات والبيانات المفترض أن تقدمها المؤسسات الحكومية.

إلا أن تتبع بعض التفاصيل المتعلقة بالظاهرة، تظهر أن البلاد اليوم بحاجة ماسة إلى دراسة أكثر تعمقاً لتأثيرات ظاهرة الهجرة على أداء مختلف القطاعات الاقتصادية والخدمية، ماهية النقص الحاصل، والإجراءات الواجب اتخاذها للبدء بتدارك تلك التأثيرات، والمقصود بمصطلح الهجرة هنا هو خروج الكوادر البشرية من البلاد بحثاً عن فرصة عمل أفضل، وليس طلباً للجوء أو لأسباب أمنية واجتماعية.

والواضح في ضوء هذا التفسير أن وزارات الدولة ومؤسساتها هي الأكثر تضرراً من تلك الظاهرة، لاسيما لجهة بعض المهن والاختصاصات العلمية والفنية المطلوبة خارجياً، ولسبب وحيد يتمثل في تدني الأجر الشهري الممنوح للعامل في مؤسسات الدولة مقارنة بمتوسط الإنفاق الشهري المطلوب لتأمين الأسرة أبسط احتياجاتها المعيشية.

هنا يحضر قطاع النفط كأحد القطاعات الأساسية التي تشهد منذ عدة سنوات نزيفاً حاداً في الكوادر والكفاءات الفنية، وذلك على خلفية خروج معظم حقول النفط عن سيطرة الدولة وتوقيف شركات النفط الأجنبية لعملها في البلاد، وعروض العمل الواسعة التي تتلقاها الكوادر النفطية السورية من الشركات العربية والأجنبية، وكما يشير مصدر نفطي خاص لـ”أثر” فإن “هناك نوعين من هجرة الكفاءات النفطية، النوع الأول داخلي من خلال استقطاب الشركات النفطية الخاصة للكوادر النفطية العاملة في المؤسسات العامة عبر منحها أجوراً ورواتب عالية مقارنة بالأجور التي تمنحها الحكومة، والنوع الثاني خارجي وهو الأكثر اتساعاً اليوم، حيث تمكنت دول عدة مثل العراق، ليبيا، والإمارات وبعض الدول الأفريقية من استقطاب العديد من الكوادر النفطية المدربة.

ويضيف في حديث خاص لـ”أثر برس” أن “الكوادر المتخصصة بالحفر والتخزين وغير ذلك هم الأكثر طلباً، ويحصلون على رواتب وتعويضات مالية باتت كبيرة بحكم مستويات الأجور التي كانوا يتقاضونها أثناء عملهم في مؤسسات الوزارة”.

ومع أن مشكلة وزارة النفط لم تعد تتعلق بحجم خسارتها للكوادر البشرية وإنما بماهية تلك الخسارة ونوعها، إلا أن مقاربة البيانات الإحصائية المتاحة تظهر أن عدد العاملين في الوزارة تراجع بين عامي 2010 و2021 بنسبة تصل إلى 32%، حيث فقدت الوزارة ما يقرب من 13972 عامل بفعل استقالة البعض وبدرجة أقل إحالة البعض الآخر على التقاعد، وبتحليل ذلك الرقم سوف نجد أن 11.7% ممن فقدتهم الوزارة هم من أصحاب الشهادات الجامعية وما فوق، 23.9% من حملة المعهد المتوسط، 5.8% من حملة الشهادة الثانوية، أما النسبة الأعلى فقد كانت للعاملين من حملة الشهادة الابتدائية، والذين بلغت نسبة تراجعهم 78.2% من إجمالي النسبة السابقة، هؤلاء إما تركوا لأسباب متعلقة باللجوء في إحدى الدول، أو بحثاً عن عمل أفضل في البلاد، أو نتيجة التقاعد، وحدهم حملة الشهادة الإعدادية زاد عددهم بين عامي 2010 و2021 بحوالي 2273 عامل، والسبب أن بعض تعليمات تعيين الفئة الخامسة (سائقين..) باتت تشترط أن يكون المتقدم من حملة الشهادة الإعدادية.

وتأكيداً على دور الهجرة الخارجية في تناقص أعداد العاملين في وزارة النفط، فإن البيانات الإحصائية تكشف أن عدد العاملين الذكور تراجع بحوالي 14173 عامل خلال الفترة المذكورة سابقاً، وهو رقم يشكل ما نسبته 35.4% من إجمالي عدد العاملين الذكور في العام 2010، في حين أن عدد العاملات الإناث زاد بحوالي 201 عاملة.

وبحسب ما يذكر خبير نفطي عمل مع شركات نفطية عالمية في حديث لـ”أثر برس” فإن تأثيرات هجرة الكفاءات النفطية تتضح من خلال افتقاد البلاد اليوم لحملة بعض الشهادات الفنية المعروفة في المجال النفطي، فمثلاً هناك شهادات عالمية (round1-round2-iwsf) تمنح لمهندسي حفر الآبار النفطية، وتكلف عملية الحصول عليها مبالغ ضخمة، لكن للأسف لم يعد أياً من حاملي هذه الشهادات في البلاد، كما أن خريجي دورات معمل كونيكو للغاز، والذين خضعوا لدورات لا تقل عن مدة عام، وعلى أيدي أساتذة ومدربين متخصصين من الولايات المتحدة الأمريكية لا أحد يعرف أين أصبحوا.

ويختم بالقول: لقد خسرت البلاد كفاءات وخبرات أنفقت البلاد عليها قبل العام 2010 مبالغ خيالية لتدريبهم بالتعاون مع شركات النفط العالمية التي كانت تعمل في البلاد، وهي اليوم تعاني جراء تلك الخسارة لسببين: افتقادها لهذه الكفاءات في مسعاها لتطوير الإنتاج النفطي والغازي في المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة، خاصة وأن خبراء النفط في العالم يؤكدون أن عصر النفط السهل في الإنتاج والاستكشاف قد ولى إلى غير رجعة، وفي سوريا يبدو الأمر واضحاً فالمرحلة القادمة هي لاستكشاف وإنتاج الغاز الصخري وتوضعات النفط الثقيل وصولاً إلى السجيل الزيتي إضافة إلى تحديات وتعقيدات الاستكشاف والإنتاج في البحر.

والسبب الثاني هو في الوقت والمال اللذين ستكون سوريا مضطرة لإنفاقهما لتدريب كوادر جديدة، والمرحلة الحالية تبقى أفضل بكثير من الانتظار، ولذلك فإن الأفضل هو قيام وزارة النفط بتكثيف التعاون الدولي في مجالات تدريب الكوادر البشرية ومنحها مزايا إضافية للحفاظ عليها أو أن خيارها سيكون في المستقبل الاعتماد من جديد على الخبير الأجنبي.

اقرأ أيضاً