خاص|| أثر برس وضعت الحرب في غزة بعض الملفات السياسة العربية تحت المجهر، وكان أحد نتاجات هذه العملية هو تجميد مسارات دبلوماسية كان الاحتلال الإسرائيلي يسعى إلى إنجازها، وأبرزها عملية التطبيع “العربي- الإسرائيلي”.
الغارات المكثفة على قطاع غزة التي تجاوزت حصيلة ضحاياها الـ20 ألف شهيد، فرضت على بعض الدول العربية تجميد مسارات كان يجري العمل عليها، وفي هذا الصدد، نقلت وكالة “رويترز” عن مصدرين مطلعين قولهما، بعد أسابيع قليلة من انطلاق “طوفان الأقصى”: “إن السعودية ستجمد خططها الهادفة إلى تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، وهذا يشير إلى سعيها إلى إعادة التفكير في أولويات سياستها الخارجية في ظل تصاعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة”.
وفي سياق موازٍ، فإن انخراط حركات المقاومة العربية بالتصعيد الحاصل في فلسطين، كان من الأحداث الأبرز في مسار العمليات التي يشهدها الاحتلال، بوصف أن هذا الانخراط أثّر في مسار الحرب عموماً، وإلى جانب التأثير الميداني كان لهذا الانخراط تأثيراً سياسياً أيضاً، وفي هذا الصدد لفت “مركز الإمارات للسياسات” إلى أن الحرب ضد الاحتلال الإسرائيلي أسهمت بإعادة هيكلة محور المقاومة ، بعد أن تراجع التأييد لها وفرضت العقوبات الغربية عليها، موضحاً أنه “ثمة قواسم مشتركة، تجعل من انخراط تلك القوى، أقرب إلى تحالف ممانعة في مواجهة الغرب”، وكذلك أشار مدير مركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما جوشوا لانديس، إلى أن “الحرب في غزة أعادت إحياء أهمية جبهة المقاومة في العالم العربي”، وفق ما نقلته مجلة Responsible Statecraftالأمريكية.
أين سوريا مما يحدث؟
ثمة عوامل عدة تجعل سوريا -التي تستضيف 570 ألف فلسطيني موزعين بين محافظات دمشق واللاذقية وحماة (وفق إحصائيات الأنروا)- ذات حضور كبير في هذا التصعيد، فعلى الصعيد السياسي دمشق معروفة بموقفها المؤيد للقضية الفلسطينية، وعلى الصعيد الجغرافي فسوريا محاذية للبنان والعراق، إلى جانب احتلال جزء من أراضيها (الجولان المحتل) من قبل “إسرائيل”، الأمر الذي جعل أراضيها نقطة لانطلاق الهجمات التي تستهدف الاحتلال الإسرائيلي، إلى جانب الجبهة اللبنانية وجبهة الداخل الفلسطيني.
وعلى الصعيد ذاته، استُهدفت على الجبهة الشرقية في سوريا القواعد الأمريكية التي تتمركز في تلك المنطقة، ووفق إحصائيات الدفاع الأمريكية “البنتاغون” فإن عدد الهجمات التي طالت القواعد الأمريكية في سوريا فقط، تجاوزت الـ60 استهدافاً من 17 تشرين الأول، وفي هذا السياق، نقلت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية في تشرين الثاني الفائت، عن مسؤولين أمريكيين تأكيدهم أن الهجمات المتكررة على القواعد الأمريكية تسببت بحالة إحباط في البنتاغون، وكذلك كان لهذه الاستهدافات تأثير سلبي في الرأي العام الأمريكي إزاء وجود هذه القواعد في سوريا، إذ قال أستاذ العلوم الحكومية في جامعة تكساس في أوستن، جيسون براونلي: “تُظهر الأصداء الإقليمية للحرب في فلسطين المحتلة الأسباب التي تدفع البيت الأبيض إلى إلغاء، وليس تعزيز، الوجود العسكري الأمريكي الذي عفا عليه الزمن والاستفزاز بلا داعٍ في سوريا والعراق”، وفق ما نقلته مجلة “Responsible Statecraft” الإلكترونية الأمريكية.
مقابل هذه الإيجابيات، حمل العامل الجغرافي والميداني منحىً سلبياً، تمثّل بتكثيف الغارات الإسرائيلية على سوريا، سيما على مطاري دمشق وحلب الدوليين وإخراجهما عن الخدمة، وبدأ الاحتلال غاراته على سوريا بعد 3 أيام من “طوفان الأقصى”، ومنذ ذلك التاريخ نفذ الاحتلال ما يقارب الـ30 استهدافاً طالت مواقع مختلفة في سوريا.
حرب غزة أعطت دفع للتقارب العربي مع دمشق:
إلى جانب الحديث عن إعادة هيكلة محور المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي، شهدت مسارات سياسية أخرى تحركات لافتة، فدمشق التي فُرضت عليها العزلة العربية والدولية، كانت من الدول المدعوة لاجتماع القمة العربية- الإسلامية الطارئة في السعودية.
وفي الوقت الذي جمدت فيه الرياض مسار التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي، استكملت مسار تقاربها من دمشق بافتتاح السفارة السورية في وتعيين سفير لها في العاصمة دمشق، وذلك بعد انتشار أنباء عن تعطل في مسار التقارب السعودي- السوري، نفتها مصادر دبلوماسية لصحيفة “الوطن” في آب الفائت.
وهذا المشهد أوضحه تقرير تحليلي نشرته مجلة ” Responsible Statecraft” الأمريكية بتاريخ 14 كانون الأول، إذ لفت إلى أن محاولات بعض الدول لتشويه صورة سوريا دولياً لم تعد مجدية، وجاء في التقرير: “مساعدة بايدن الثابتة لإسرائيل في جهودها لقتل الفلسطينيين في غزة ستقلل من قدرة واشنطن على حشد الدول العربية والإسلامية ضد سوريا وإيران”.
وأضاف التقرير أن “هذه الحرب وانتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للقانون الدولي، ستؤدي إلى ترسيخ العلاقات بين سوريا وحلفائها ترسيخاً أكبر، كما ستسّرع عمليات الانفتاح العربي على سوريا”، مشيراً إلى مشاركة سوريا باجتماعات القمة العربية الطارئة المتعلقة بالتصعيد في فلسطين.
بعد أيام قليلة من عملية “طوفان الأقصى” لفتت معظم الدراسات والتحليلات إلى أن هذه العملية غيّرت بعض المفاهيم التي كان الاحتلال يحاول الترويج لها، وفي هذا الصدد، لفت تقرير نشره مركز “كاندل” للدراسات” إلى مجموعة من النتائج التي حققتها هذه العملية، مشيراً إلى أن “هذه العملية تسببت بتراجع الثقة العربية في الولايات المتحدة، ضربة لمشروع دمج إسرائيل في المنطقة، شكلت حرب أكتوبر ضربة كبيرة لمشروع دمج إسرائيل في المنطقة، وأظهرت البون الشاسع بين موقف الشعوب وموقف الحكومات من القضية الفلسطينية”.
زهراء سرحان