أثر برس

ما الذي يمنع الربط الكهربائي بين سوريا والعراق حالياً؟

by Athr Press G

خاص|| أثر برس (حيل “المفْلس” ع “المفْلس” ترى العجب!).. ربما لا ينطبق على النقاش في مسألة الربط الكهربائي بين سوريا والعراق حالياً إلا هذه المقولة المستقاة من البيئة الشامية والتي ربما تشرح بشكل تام مآل ما تم إعادة الحديث عنه مؤخراً حول هذا المشروع الاقتصادي الإقليمي الهام للبلدين اللتين تعيشان بأزمة كهربائية متماثلة إلى حداً ما.

الظرف العام والأزمة الكهربائية الخانقة في سوريا، ربما هي الدافع الأساسي للعودة إلى إعادة إحياء مسألة الربط الكهربائي بين سوريا والعراق، رغم أنها ليست بجديدة زمنياً، وإنما تعود إلى سنوات قليلة ماضية، فإلى أي مدى يمكن فعلياً الاستفادة من الربط الكهربائي بين البلدين في المرحلة الحالية، وما هي التحديات التي تُعيق ذلك؟

خلفية مشروع الربط الكهربائي بين البلدين:

جاء مشروع الربط الكهربائي بين سوريا والعراق، خلال العقود الماضية كجزء من مشروع ربط كهربائي عربي كبير، يسمى مشروع الربط الثُماني، والذي كان يخطط لمشاركة دول (سوريا، والعراق، ولبنان، والأردن، ومصر، والضفة الغربية)، إضافة إلى تركيا.

وفي عام 2005 بالتحديد، كانت مجموعة الدول العربية الخمسة ما عدا الضفة الغربية، تمتلك نحو 32 % من إجمالي القدرات التوليدية المركبة في المنطقة العربية، وأكثر من 50 % كانت في دول مجلس التعاون الخليجي آنذاك.

وشهد مشروع الربط الكهربائي بين سوريا والعراق، ولادة فعلية مع بدايات عام 2011، عندما صرّح وزير الكهرباء السوري آنذاك، حمد قصي كيالي، بالقول: “إن عملية ضخ الكهرباء الى العراق شارفت على الانتهاء حيث يبدأ خلال أسابيع قليلة ضخ الطاقة الكهربائية في مشروع دول الربط الكهربائي العربي عبر سوريا الى العراق للمرة الأولى”.

وتصريح الكيالي حينها، جاء قبل شهرين ونصف من اندلاع الأزمة السورية بآذار 2011، وبحسب ما أدلى به الوزير، أنّ “الانتهاء مما تبقى من أعمال ربط للشبكات المنجزة باتجاه الحدود السورية – العراقية سيصبح جاهزاً نهاية شهر شباط 2011″، ثم توقف العمل بالمشروع، نتيجة لظروف الأزمة في البلاد.

في أواخر تشرين الثاني 2017، وقعت كل من (سوريا والعراق وإيران) على اتفاقية الربط الكهربائي للاستفادة من الموارد الصناعية والبشرية للمشاركة في مرحلة إعادة الإعمار في سوريا، وبعد شهر تقريباً، زار دمشق وزير الكهرباء العراقي قاسم الفهداوي، والتقى حينها وزير الكهرباء الأسبق محمد زهير خربوطلي، وجرت بينهما مباحثات مطوّلة حول مشاريع الربط الكهربائي بين البلدين.

وتمحورت المحادثات بين الوزيرين آنذاك، حول مسألة “تبادل الطاقة الكهربائية بين المنظومتين العراقية والسورية خلال فترات الحاجة إلى الكهرباء في كلا البلدين”، والدافع الأساسي الذي جمعهما، هو المعادلة المشتركة التي ترى فيها العراق وسوريا مكاسب مشتركة، وهذه المكاسب كانت تُقاس بـما يمكن تسميته: “المعادلة الكهربائية السورية العراقية” والتي تقول:

“هناك فائض من الطاقة الكهربائية لدى المنظومة العراقية في أشهر اعتدال درجات الحرارة (الربيع والخريف) في العراق وانخفاض الطلب على الكهرباء فيمكن نقل هذا الفائض إلى المنظومة السورية، وبالمقابل هناك فائض في الطاقة الكهربائية في المنظومة السورية في أشهر (الشتاء والصيف) بالإمكان نقل الفائض منها إلى المنظومة العراقية لسد جزء من الحاجة في أشهر حمل الذروة في العراق”.

ثم جرت لاحقاً مباحثات أخرى للمسألة ذاتها؛ لكن لم يحدث أيّ شيء فعلي على الأرض نتيجة الظروف السياسية والأمنية في منطقة الجزيرة السورية، ثم عادت دمشق مجدداً خلال الأيام القليلة الماضية إلى إعادة الحديث عن المشروع، بحسب ما صرّح به السفير السوري في بغداد صطام الدندح، على خلفية لقائه بوزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل، لاستكمال اتفاقية الربط الكهربائي بين البلدين في منطقة “البوكمال- القائم”.

وبين أنّ اللقاء، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية، بهدف بحث إمكانية الربط الكهربائي بين البلدين، مشيراً إلى أن عملية الربط تتم تحديداً في منطقة التيّم في سوريا ومنطقة القائم في العراق.

هل الربط الكهربائي الفعلي ممكناً؟

إنّ ما صرّح به السفير الدندح هو حدث هام، وهذا يعني أن هناك دفعاً رسمياً لإعادة إحياء هذا المسار، ولكن بالتأكيد تحقيق ذلك هو أمر هام ومكسب للاقتصاد السوري، لكن يتطلب توافر مقومات محلية أي شبكة كهربائية سليمة وبيئة فنية ممكنة لإقلاع المشروع، وفي هذا الإطار يبين معاون وزير الكهرباء الأسبق نضال قرموشة في حديث لـ”أثر برس”: “إنّ هناك نوعين من الربط الكهربائي فيما يتعلق بهذه المسألة لا بد من التنويه لهما، فالأول هو الربط المتزامن، والثاني هو الحقن الكهربائي”، مؤكداً أنّ “المفيد اليوم في سوريا هو الربط المتزامن، وهذا يعني ارتباط شبكتي البلدين معاً كشبكة واحدة، ويدور التيار الكهربائي فيما معاً”.

وبالتالي، بحسب قرموشة، فإن سلبيات هذا النوع من الربط هو أنه “أي مشكلة (قد تحصل) في الشبكة السورية أو أيّة أحمال متزايدة ستؤثر حتماً على الطرف الآخر (أي الشبكة العراقية)”.

ويقول المسؤول السابق في وزارة الكهرباء: “الربط الكهربائي غير مفيد حالياً لأن الشبكتين غير مريحتين، فسوريا عندما كانت تريد الربط مع الأوروبيين كان هناك طلب أن يكون الربط على تيار مستمر (DC) للتخلص من المشكلات والاهتزازات الموجودة في الشبكة المحلية وكي لا تنتقل تلك المشكلات إلى الطرف الآخر الذي تم الربط معه”.

وبالتالي؛ في ظل الظروف الحالية بحسب قرموشة “لا يوجد طرف يمكن أن يربط كهربائياً مع سوريا لأنه فنياً غير ممكن في هذه المرحلة، فبالنسبة للعراق بحسب المسؤول، هي نفسها تعاني من مشكلات داخلية أيضاً والربط معها غير ممكن قطعياً؛ فالعراق عندما طلبت إيجاد حلقات ربط مع دول الخليج، اشترطت الأخيرة عليها أن تقوم بإعادة تأهيل المنظومة الكهرو-حرارية لديها حتى تكون جاهزة لاستقبال تيار كهربائي خارجي غير مؤثر على الشبكات المرتبطة معها، علماً أنّ دول الخليج اليوم تنتج قرابة 60 ألف ميغا ما عدا ما هو مُنتج من محطات الطاقة البديلة.

وبالفعل، أبرمت وزارة الكهرباء العراقية في أيلول 2019، اتفاقية مع دول المجلس لإنشاء خطوط لنقل الكهرباء من محطة “الوفرة” الكويتية، وفي شباط 2023 أعلنت هيئة الربط الخليجي عن إبرامها 5 عقود بكلفة تتجاوز 200 مليون دولار مع الشركات المنفذة لمشروع الربط الكهربائي بين دول الخليج والعراق، وبحسب البيان الذي نشر حينها، ونقله موقع أخبار “بغداد اليوم” العراقي، فإن المشروع سيتم عبر “إنشاء خطوط بطول 295 كيلومتر من محطة “الوفرة” في الكويت إلى محطة “الفاو” جنوب العراق لنقل 500 ميغاواط كمرحلة أولى وبإجمالي 1800 ميجاواط”، وبلغت نسبة الإنجاز في مشروع حالياً 30 %، وسينتهي تنفيذه نهاية عام 2024.

أمّا مع الأردن انتهى الربط وأعلن العراق والأردن الانتهاء من تنفيذ المشروع كاملاً، وكان من المفترض أن يدخل حيز التنفيذ في مطلع تشرين الأول لعام 2023، بحسب ما صرح به وزير الكهرباء العراقي، في 30 أيلول/ سبتمبر 2023، ولكن بقي متوقفاً إلى الآن، بحسب ما نقله موقع “العالم الجديد” العراقي مؤخراً.

هل الاستفادة من الكهرباء الإيرانية ممكنة؟ وكيف؟

يرى البعض أنّ المكاسب التي ربما تحققها سوريا من الربط مع العراق أبعد من العراق نفسه، وبالتالي سيشكل المشروع حلقة ربط مع إيران، كون الأخيرة ترتبط والعراق بشبكات كهربائية وأنابيب غاز منذ عقود، وأنها من الدول الحليفة للدولة السورية ومن أهم الأطراف التي دعمت قطاع الطاقة في سوريا خلال الحرب، وستشارك مستقبلاً في مرحلة إعادة الإعمار، وفي هذا السياق، يقول معاون الوزير: “إذا كانت إيران تريد تصدير كهرباء لسوريا على شبكة متزامنة من خلال شبكة العراق، سيؤدي ذلك إلى ضياع كل الكهرباء المتجهة لسوريا في العراق نفسه، وهذا لن يكون مفيداً بالنسبة إلى سوريا، نتيجة الطلب المتزايد محلياً في السوق العراقية أيضاً”.

وبالتالي بحسب قرموشة؛ الحل الأفضل للاستفادة من إيران في هذه الحالة هو “الحقن الكهربائي”، أي “يتم الربط عبر إنشاء خط كهربائي واحد مستقل عن الشبكة العراقية، يربط الشبكة الكهربائية الإيرانية عبر العراق، إلى مركز حمل التيار في الشبكة الكهربائية السورية.

ومن أبرز التجارب المشابهة لهذه الحالة، تم الحديث عنها خلال السنوات الماضية هي مشروع “حقن كهربائي” بين الأردن ولبنان عبر الأراضي السورية، فكان هناك اتفاق على استجرار تيار كهربائي من الأردن باستطاعة 200 ميغا للشبكة الكهربائية اللبنانية، عبر عزل خط توتر عال 400 ك. ف. يربط منطقة شمال عمان بلبنان عبر الشبكة السورية من الدير علي إلى حمص، لكن توقف هذا المشروع لعدم امتلاك لبنان التمويل اللازم لدفع مستحقات الأطراف المنتجة.

استيراد” الكهرباء مُستبعد:

وحول احتمالية الربط إقليمياً وضخ كميات كبيرة من الطاقة الكهربائية بالشبكة السورية من إحدى دول الجوار على سبيل المثال، لتحقيق الاستقرار في التغذية الكهربائية وبالتالي التقليل من مشاكل القطع محلياً، هنا يُبين الخبير الكهربائي، أنّ هذه المسألة مستبعدة وغير ممكنة، لأن إدخال كميات كبيرة من الطاقة إلى الشبكة دون وجود احتياطي يعني حدوث استهلاك كبير من الصعب منعه، وبالتالي يتوجب على البلاد دفع قيمة هذه الكهرباء التي ستكون بحكم المستوردة، والوضع حالياً لا يساعد على دفع (12- 15 سنت) لكل كيلو واط من الخارج.

إنتاجية كبيرة من “المتجددة” غير مريحة لشبكتنا:

أمّا بالنسبة للطاقات المتجددة، فبالرغم من أهمية الكهرباء المنتجة منها في أي دولة في العالم، لكن يمكن أن تكون هذه الكميات إن كانت كبيرة، عاملاً غير إيجابي عندما تكون الشبكة المحلية لأي دولة غير مستقرة لضعف الإنتاج الكهرو-حراري، وبالتالي دخول كميات كبيرة منها إلى الشبكة في فترة معينة، وخروجها في أخرى بشكل غير منتظم، سيؤثر حكماً على ترددية التيار الكهربائي، وبالتالي مسألة استقرار التغذية بشكل عام.

وفي هذا الإطار يقول معاون وزير الكهرباء: عندما يتم “إدخال 1000 ميغا من الطاقات المتجددة الريحية أو الشمسية في الشبكة السورية اليوم، لا يمكن أن يجعلها آمنة بشكل كبير؛ وهي ليست مريحة لها لأنه لا يوجد تيار احتياطي دوار ضمنها، فما هو موجود حالياً من الطاقة الكهرو-حرارية يتراوح ما بين 1500- 2000 ميغا”، وبالتالي يجدد قرموشة، التأكيد على أنّ الربط الكهربائي بين أي شبكتين يحتاج إلى أمرين أساسيين أولهما وجود شبكات خالية من المشاكل، والثاني توافر احتياطي كهربائي دوار ضمن الشبكة الواحدة.

ويبين معاون الوزير أنّ التقنين اليوم المطبق في البلاد يسهم بشكل كبير في الحد من حالة الانقطاع العام (التعتيم)، كما أن الربط الكهربائي يحتاج فعلياً إلى تطوير المنظومة الكهربائية، وهذا في هذه المرحلة يحتاج إلى تعاون مشترك بين القطاعين العام والخاص.

ويشير معاون الوزير إلى عوامل أخرى تقف عائقاً أمام مسألة الربط الكهربائي والتي تحتاج إلى وجود بيئة مستقرة آمنة، واليوم وفي ظل الظروف العامة في منطقة الربط مع العراق التي تشهد حالة عدم استقرار لا يوجد ضمانات للحد من تعرض الشبكة الكهربائية لأية اعتداءات في ظل انتشار المجموعات المسلحة في البادية وخاصة تنظيم “داعش”.

قصي المحمد

اقرأ أيضاً