أثر برس

كتب زياد غصن.. سوريا في انفتاحها السياسي عام 2023: لا تعويل على الاستثمارات الأجنبية

by Athr Press G

زياد غصن || أثر برس  مع كل انفتاح سياسي تشهده علاقات دمشق مع محيطها الإقليمي والدولي، تطرح جملة تساؤلات مشروعة عن أثر ذلك على الوضع الاقتصادي الداخلي، سواء لجهة إمكانية الحصول على مساعدات اقتصادية مؤثرة يمكنها أن توقف التدهور الحاصل في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، أو لجهة تمكن البلاد من استقطاب استثمارات من هذه الدولة أو تلك غايتها دعم هذا القطاع أو ذاك، وهذا ما أثير بالفعل مع استعادة دمشق لمقعدها في الجامعة العربية ومشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة العربية الأخيرة، وكذلك مع زيارته المفاجئة إلى الصين مؤخراً، وحفاوة الاستقبال التي قوبل به.

لكن، وكما أشرنا في مقالات سابقة، فإن الآمال الاقتصادية التي عولت على ذلك الانفتاح السياسي، الذي شهدته علاقات دمشق خلال الفترة الماضية كان مبالغاً فيها، لاسيما من قبل بعض وسائل الإعلام المحلية والمهتمين بالشأن السوري، إذ أن سيف العقوبات الأمريكية المشهر في وجه الراغبين بالتعاون الاقتصادي والعمل مع دمشق كفيل بإفشال أي توجه من هذا القبيل، لا بل إن معظم الدول سلكت طريق الامتثال المفرط للعقوبات تجنباً لإغضاب واشنطن.

– غير مفيدة اليوم:

رسمياً، لم تعد دمشق تعول كثيراً على الاستثمارات الأجنبية في هذه المرحلة، منطلقة في ذلك من مجموعة نقاط تعتبرها بمنزلة حقائق لا يمكن تجاهلها عند مقاربة هذا الملف، ومن هذه النقاط يمكن ذكر ما يلي:

– إلى جانب عائق العقوبات الغربية والأمريكية والذي ليس بالسهل تجاوزه من قبل الشركات الاستثمارية، فإنه ليس هناك بلد في العالم أو شركة أو مستثمر يفكر بالاستثمار في بلد لا يزال يمر بحالة حرب أتت على موارده، ثرواته، إمكانياته وقدرته على توفير بيئة جاذبة للاستثمارات الأجنبية أسوة بباقي الدول، وإذا كانت هناك بعض الاستثمارات العربية التي دخلت إلى السوق السورية، وجنسية معظمها تنتمي إلى دول الجوار، فهي محدودة من حيث العدد والحجم، وتالياً فإن ذلك لا يعدو كونه استثناء لا يمكن التعويل عليه.

– على أهمية الاستثمارات التي يمكن أن تتوجه للقطاعات الإنتاجية، إلا أن معظم المشاريع الاستثمارية العربية والأجنبية المشملة قبل فترة الحرب كانت في قطاعات كالعقارات، الخدمات المالية، السياحة، وغيرها، أي أن ميدانها كان في القطاع الريعي وليس الإنتاجي، وتالياً فإنه من غير المتوقع أن تعدل المشاريع الاستثمارية الأجنبية، إن وجدت خلال فترة الحرب، من أولوياتها الاستثمارية لتصبح في قطاعات تحتاجها البلاد من قبيل: الصناعة، الزراعة، الطاقة وغيرها، هذا مع الإشارة إلى أن معظم الاستثمارات المشملة قبل فترة الحرب لم تجد طريقها للتنفيذ على الرغم من مضي عدة سنوات على حصولها على الموافقة الحكومية، فمثلاً معظم التقديرات تتحدث عن أن كلفة الاستثمارات الخليجية التي جرى الإعلان قبل الحرب وصلت قيمتها إلى حوالي 20 مليار دولار، إلا أن الجزء الأكبر بقي حبراً على ورق، بدليل أن الاستثمارات السياحية العربية الموضوعة في الخدمة في العام 2010 لم تتجاوز نسبتها 4% من إجمالي الاستثمارات السياحية المحلية والعربية الموضوعة آنذاك بالخدمة.

– إضافة إلى ما سبق، فإن مقاربة الدولة السورية لهذا الملف تنطلق من المخاوف المتعلقة بالضغط الذي يمكن أن تشكله تلك المشاريع على سوق القطع الأجنبي عند رغبتها بتحويل أرباحها أو حتى رأسمالها إلى الخارج، وهذا دفع الدولة إلى اعتماد صيغة حالية تقوم على ضرورة مشاركة رأسمال الوطني بنسبة 50% في أي مشروع ترغب جهة استثمارية خارجية إقامته داخل البلاد في الوقت الراهن. والغاية ضمان تنفيذ المشروع واستمراريته من جهة، ومن جهة ثانية إبقاء جزء من أرباح المشروع داخل البلاد وضخها في الدورة الاقتصادية.

-وهذا ينطبق أيضاً على استثمارات شركات ومؤسسات الدول الحليفة لدمشق، التي وعلى عكس ما يشاع فإن عقودها لم توقع إلا بعد مفاوضات شاقة لضمان تحقيق أكبر قدر من المكاسب للبلاد، وحالياً هناك عملية تقييم مستمرة لتنفيذ هذه المشاريع، بدليل أنه تم مؤخراً إلغاء التعاون مع شركات من دول حليفة بسبب عدم التزامها بتنفيذ الاتفاقيات أو العقود الموقعة معها كمرفأ طرطوس مثلاً وغيرها.

المستثمر المحلي أولاً:

من الضروري عند التطرق إلى استثمارات الدول الحليفة والصديقة لدمشق التوقف عند حقيقة نجهلها، وتتعلق بأن هذه الدول تفصل بين مواقفها السياسية وبين مصالح شركاتها ومؤسساتها الاقتصادية بمختلف تخصصاتها، والتي هي غالباً جهات خاصة تعمل وفق ما تقتضيه مصالحها الاقتصادية، لا ما تريده حكومتها سياسياً هنا أو هناك، وإن كانت هناك تقاطعات في مرحلة ما بين المصالح السياسية والاقتصادية، وربما هذا ما يفسر تدني استثمارات تلك الدول في سوريا، أو عدم انعكاس الانفتاح السياسي العربي والدولي على البيئة الاستثمارية في البلاد.

وفي هذا السياق يمكن قراءة التداعيات الاقتصادية لزيارة الرئيس الأسد إلى الصين مؤخراً، والتي حملتها بعض وسائل الإعلام والمحللون أكثر مما تحتمل، إذ وفق ما كشفته بعض المصادر الخاصة فإن الجانب السوري ركز في ملف التعاون الاقتصادي على جانبين أساسيين يمكن لبكين على مساعدة دمشق فيهما: الجانب الأول يتعلق بالديون الصينية على دمشق، والتي وإن كانت قليلة جداً إلا أنه وفقاً للقوانين الصينية لابد من معالجتها، أما الجانب الثاني فهو يتعلق بالمساعدات الاقتصادية التي يمكن للصين تقديمها وفق برامج المساعدات الخارجية المعتمدة لديها سنوياً، ورغبة دمشق في هذا الجانب تقوم على حصر تلك المساعدات بالجانب الفني، الذي يمكن الاستفادة منه في دعم بعض المشروعات الصغيرة الريفية مثلاً أو توفير أدوات تقنية تساعد مؤسسات الدولة على تطوير خدماتها للمواطنين، وفي هذا الإطار تندرج مثلاً منحة باصات النقل الداخلي، بمعنى آخر أن تبتعد تلك المساعدات عن الجانب الإغاثي غير المستدام.

في ضوء ذلك، لا تجد الدولة بديلاً عن المستثمر المحلي باعتباره يشكل الضمانة الأساسية للنهوض بالواقع الاستثماري بعيداً عن تأثير النقاط أو العوامل، والتي جرى ذكرها سريعاً آنفاً، لكن هذا المستثمر لم يلمس إلى الآن ما يشير إلى أنه سيكون صاحب الأولوية في الفرص الاستثمارية المتاحة بالنظر إلى ما يعانيه من مشاكل وصعوبات بيروقراطية قاتلة أثناء محاولته الحصول على الموافقات والتراخيص اللازمة، فضلاً عما يكتنف بيئة الأعمال من ممارسات احتكارية وعمليات فساد وتدخل واسع للجهات والمؤسسات الحكومية في عملها. ولذلك فإن اقتراحات الفعاليات الاقتصادية الهادفة لتفعيل دور المستثمر المحلي تركز على ما يلي:

– تبسيط الإجراءات المتعلقة بتشميل وتراخيص المشاريع الاستثمارية، وذلك من خلال حصر تعامل المستثمر المحلي مع جهة حكومية واحدة.

-وقف العمل بالإجراءات المقيدة سواء لجهة الإجراءات المصرفية المتعلقة بمنح القروض وعمليات السحب والإيداع أو لجهة التعامل بالقطع الأجنبي، إلا أن هذا يبدو سيكون مرهوناً بحسم الدولة لخيارها المرحلي المتمثل إما بالعمل على تثبيت أو ضبط سعر الصرف حتى لو كان ذلك على حساب دوران عجلة الإنتاج، أو الانحياز إلى الإنتاج حتى لو أدى ذلك إلى حدوث انخفاضات جديدة في سعر صرف الليرة، ويبدو أن الخيار الثاني هو الأفضل مرحلياً لأسباب عدة.

-توسيع دائرة التجار والصناعيين المسموح لهم بالاستيراد وكسر بعض حالات الاحتكار، وذلك بغية تأمين احتياجات المشروعات الاستثمارية بأقل التكاليف الممكنة لما لذلك من انعكاس ايجابي على تكاليف المنتح وسعر النهائي، لاسيما وأن القوة الشرائية للسوق المحلية متدنية جداً.

-الانتقال التدريجي إلى العمل بسياسة الرسوم الجمركية والضرائب الصفرية والمطبقة في دول كثيرة وأدت إلى استقطاب استثمارات محلية وخارجية كبيرة، إذ على الرغم من الإعفاءات الكبيرة التي منحها قانون الاستثمار للمستثمرين أثناء استيراد احتياجات مشروعاتهم إلا أن هناك رسوم غير جمركية لاحقة تجعل المستثمر يدفع نسبة تصل أحياناً إلى 20% وربما أكثر.

-توفير مزيد من الضمانات الفعلية للمستثمرين في مواجهة محاولة بعض أثرياء الحرب احتكار العمل والاستثمار في هذا المجال أو ذاك. فالضمانات القانونية الكبيرة التي يوفرها قانون الاستثمار وغيره من التشريعات بحاجة إلى أن تنفذ فعلياً على أرض الواقع.

باختصار شديد..

قد يكون ما سبق طرحه مفاجئاً من حيث موقف دمشق من الاستثمارات العربية والأجنبية، لكن من المهم القول هنا: هي لم تغلق الباب أمام هذه الاستثمارات، إلا أنها في المقابل لا تعول كثيراً على قدومها في هذه المرحلة الصعبة التي تواجهها البلاد وما تشهده من عقوبات وحصار أمريكي معلن وغير معلن، وتالياً فإن التقييم الموضوعي للبعد الاقتصادي في الانفتاح السياسي الإقليمي والدولي على دمشق لا يبدأ من بند الاستثمارات المحتمل استقطابها، وإنما من أثر ذلك الانفتاح على المبادلات التجارية من ناحية، وعلى المساعدات الفنية والتقنية التي يمكن أن تقدم لسوريا في إطار ما يمكن تسميته بالدعم المرتبطة بتوفير حاجات المواطنين من ناحية ثانية.

 

اقرأ أيضاً