أثر برس

مشاركة الغرب في إسقاط الصـ.واريخ الإيرانية: ثمانون عاماً نزداد دعماً لـ”إسرائيل”

by Athr Press Z

زياد غصن ||أثر برس لا يمكن التعامل مع ما شهدته المنطقة خلال الأيام القليلة الماضية بوصفه حدثاً عابراً، قد تنتهي مفاعليه بتفاهمات سياسية معلنة أو غير معلنة. كما أنه لا يمكن النظر إلى ما حدث على أنه تطور كان متوقعاً في ضوء استمرار الحرب الغربية-الإسرائيلية على قطاع غزة، وتالياً فإن حدود ذلك الحدث وتكراره سيبقيان رهناً بتطورات تلك الحرب.

فالرد الإيراني على استهداف القنصلية في دمشق، وما أسفر عنه من حراك عسكري ودبلوماسي كبيرين في المنطقة، يتعدى كونه مجرد خروج مؤقت للعلاقات العدائية التي تجمع طهران بالكيان الصهيوني عن السيطرة. إلى ما يمكن وصفه بالحدث “الضرورة” الذي أعاد “نفض الغبار” عن مجموعة من الحقائق المرتبطة بمسيرة الصراع العربي-الإسرائيلي، وكشف سياسات دول كثيرة على حقيقتها. وهذا بصرف النظر عن تقييم كل منا للرد الإيراني من حيث فاعليته، تأثيره، جرأته، وتوقيته.
*ثلاث حقائق
في سياق هذا المفهوم يمكن تحديد مجموعة من الاستنتاجات الاستراتيجية التي تمخض عنها الرد الإيراني من أهمها ما يلي:
-مشاركة ثلاث دول غربية (الولايات المتحدة الأمريكية، بريطانيا، وفرنسا) في التصدي للمسيّرات والصواريخ الإيرانية، التي استهدفت المنشآت والقواعد العسكرية الإسرائيلية، يعيد التذكير بحقيقة الموقف الغربي عموماً من القضية الفلسطينية، والذي لم يكن يوماً سوى مؤيداً وداعماً للكيان الصهيوني في جرائمه ومجازره منذ الهجرات الأولى لليهود باتجاه فلسطين مروراً بوعد بلفور الشهير فإعلان قيام “إسرائيل” وصولاً إلى جميع الحروب التي شنتها “إسرائيل” على مدار العقود والسنوات السابقة.

وقلنا التذكير لأن النسيان تسلل إلى ذاكرة الأجيال العربية خلال العقود والسنوات السابقة، سيما بعدما وقّعت بعض الدول العربية اتفاقيات سلام مع “إسرائيل” وانهيار جدار المقاطعة الدولية لها منذ منتصف تسعينات القرن الماضي، إذ إن بريطانيا لم تعد تذكر حتى في مناهج دول عربية عدة على أنها الدولة التي رعت وساندت وسهلت إقامة “إسرائيل” على أرض فلسطين العربية، وأن فرنسا هي التي منحت “إسرائيل” مفاعلات نووية لتضمن لها قوة ردع تحميها في مواجهة الدول العربية، وأن الولايات المتحدة هي التي قدمت مساعدات لـ”إسرائيل” بأكثر من 300 مليار دولار.

ولعل تصويت مجلس الأمن الدولي مؤخراً على طلب منح فلسطين العضوية الكاملة في الأمم المتحدة يكشف أن تصدي الدول الثلاث للمسيّرات والصواريخ الإيرانية المتجهة نحو القواعد الإسرائيلية لم يكن فعلاً معزولاً عن تاريخ سياسات تلك الدول ومواقفها من القضية الفلسطينية، وإنما هو استمرار لسياسة لم تتغير على الرغم من كل الحكومات والأحزاب السياسية المتعاقبة على حكم هذه الدول. وإذا كانت فرنسا مثلاً قد صوتت لصالح الطلب الفلسطيني لأسباب مرتبطة بمحاولة إظهار تباين ما، لكن سياستها على الأرض هي التي تتحدث عن جوهر موقفها الفعلي.

-كشف الاستنفار الأمريكي في التصدي للمسيّرات والصواريخ الإيرانية أن الوظيفة الأساسية للقواعد والقطع العسكرية الأمريكية المنتشرة في عموم المنطقة حماية وجود “إسرائيل”، والتي هي إحدى المصالح الأمريكية العليا غير قابلة للتفاوض مع أي إدارة أو رئيس يصل إلى البيت الأبيض، ولذلك فهي عملياً أولوية تتبدى على مهام أخرى كحماية بعض الأنظمة العربية أو تثبيت دعائم جماعات انفصالية. ومثل هذه الأولوية ليست حكراً على القواعد والقطع العسكرية القريبة جغرافياً من الأراضي العربية المحتلة، وإنما جميع القواعد والقطع المنتشرة في المنطقة تشترك في تنفيذ هذه الأولوية بأشكال وطرائق متعددة تتناسب مع ظروف وجود كل منها ومحطيها الجغرافي، فالقواعد المتمركزة في شرق سوريا أو في العراق تشترك بالمهمة نفسها مع القاعدة الموجودة مثلاً في الأردن أو في قطر وغيرها.

-أظهرت ردود الفعل التي أعقبت الرد الإيراني أن الشرخ الموجود بين شعوب المنطقة وصل إلى حدود مخيفة. فإذا كان تشكيك البعض بجدوى الرد الإيراني وقوة تأثيره يمكن أن يدخل في سياق حق كل شخص أو جهة في قراءة الحدث وتحليل أبعاده ومعطياته، لكن “شماتة” أو “فرح” البعض، رسمياً أو نخبوياً أو حتى شعبياً، لنجاح الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين وبعض الدول العربية من إسقاط بعض المسيرات والصواريخ الإيرانية، المتجهة أصلاً نحو قواعد إسرائيلية تنطلق منها الطائرات التي حولت كامل قطاع غزة إلى ركام كبير، يمثل نجاحاً إسرائيلياً وغربياً في إحداث صدع في جدار الموقف العربي من وجود “إسرائيل” ومن مستقبل الصراع العربي والإسلامي معها. وهذا ليس بجديد، ففي حرب تموز عام 2006 على لبنان كان هناك من يطالب “إسرائيل” سراً بإلحاق هزيمة كبرى بحزب الله، لكن الجديد بعد عملية “طوفان الأقصى” والرد الإيراني هو أن المجاهرة بذلك باتت للأسف علانية.

ويمكن النظر إلى هذه النقطة من منظور آخر، فالموقف من الدول لم يعد يقيم بناء على سلوك أو سياسة أو موقف هذه الدولة أو تلك تبعاً لكل ملف، وإنما أصبح الموقف أو الحكم واحداً. فمثلاً هناك من يختلف مع سياسة إيران في هذا الملف أو ذلك، لكن العقلانية والمنطق يفترضان ألا ينسحب ذلك إلى موقفها الواضح والعلني من القضية الفلسطينية منذ انتصار الثورة الإسلامية، لكن الفترة الماضية أكدت أن البعض يتعامى عن كثير من الحقائق ليدعم فقط وجهة نظره “المتطرفة”.

*التصويب على مَن؟

إن إحدى الأخطاء التي ارتكبت في مقاربة الرد الإيراني أن معظم وسائل الإعلام وشبكات التواصل الاجتماعي انصرفت إلى تقييم فعالية الرد من وجهة نظر سياسية مسبقة، وتجاهلت قصداً أو عن غير قصد تداعيات ذلك الرد والموقف الغربي والعربي منه. فالمنطقي أن التصويب كان يجب أن يتركز على المشاركة العسكرية الغربية لـ”إسرائيل” في محاولتها إفشال الرد الإيراني، وليس التصويب على الرد نفسه. وهذا للأسف يتكرر حتى عندما تستهدف “إسرائيل” أو القوات الأمريكية منشآت أو قواعد موجودة في عمق البادية أو الشرق السوري ويعمل فيها مستشارون إيرانيون لمواجهة تنظيم “داعش” وغيره من التنظيمات التكفيرية. لذلك ليس غريباً أن يهلهل البعض لـ”الهجوم الإسرائيلي” الفاشل و”السخيف” باعتراف القادة الإسرائيليين أنفسهم على الأراضي الإيرانية.

 

اقرأ أيضاً