أثر برس

ما مصير السوريين في العراق.. هل يتم ترحيلهم؟

by admin Press

خاص || أثر برس أثارت القرارات الأخيرة الصادرة عن حكومة ‘‘إقليم كردستان العراق’’، والمتضمنة إجراءات جديدة تضيّق على وجود السوريين في أربيل، ومنعها دخول جميع حملة الجنسية السورية إلى أربيل، قضية اللاجئين السوريين الذين يزيد عددهم عن 700 ألف سوري في العراق على العموم، وفي إقليم كردستان العراق على وجه الخصوص.

وقبل التطرق إلى التصورات المتوقعة لحل مشكلة وجود السوريين المخالفين في العراق، لابد بداية من تبيان الأسباب التي أدت إلى ملاحقتهم بشكل أكبر خلال الفترة الماضية ومن ثم استصدار حكومة إقليم كردستان قرار منع الدخول وترحيل بعضهم مؤخراً.

أولاً- الأسباب التي دفعت العراق لملاحقة السوريين المخالفين:

منذ بداية الحرب في سوريا، هاجر مئات الآلاف إلى الدول المجاورة ووصل عددهم إلى الملايين في بعضها، والعراق كغيره من الدول المجاورة كان وجهة لمئات الآلاف من السوريين، وعلى الرغم من وجود أكثر من 700 ألف سوري في العراق بأوراق غير نظامية حالياً وفقاً للتصريحات الإعلامية، إلا أنّ الحكومة العراقية الاتحادية وحكومة ‘‘إقليم كردستان’’ التي سهلت دخولهم، لم تعارض وجودهم ولم تلاحقهم بل تركت تحركاتهم مسهّلة إن صح التعبير، عبر سياسة (غض النظر عنهم) في غالب الأحيان، وعدم التعرّض للمخالفين لشروط الإقامة منهم باستثناء بعض الحالات التي كان يتم ترحيلها لأسباب محددة.

لكن مؤخراً، وبشكل خاص في ‘‘إقليم كردستان’’، بدأت موجة ملاحقة اللاجئين السوريين تظهر بشكل علني، لدرجة أنّ حكومة الإقليم أصدرت قرارات عدّة حددت بموجبها منح الإقامة للوافدين الجدد بعد تاريخ 29 آذار 2024، ولاحقاً منع دخول حاملي الجنسية السورية،  حتى أنّها بدأت ومنذ الأسبوع الفائت بترحيل قرابة (60) لاجئاً سورياً من شمال العراق إلى مناطق الجزيرة السورية الخاضعة لسيطرة ما تسمى “الإدارة الذاتية” الكردية، في حين من المتوقع وصول دفعة ثانية منهم تضم (40) لاجئاً، بحسب بيان “الدائرة الإعلامية”، التابعة لـ “الإدارة الذاتية” الكردية الانفصالية.

تابع ‘‘أثر برس’’ البحث عن الأسباب التي دفعت حكومة ‘‘الإقليم’’ إلى اتخاذ قرار بمنع الفيز وترحيل المخالفين من اللاجئين السوريين، وما إذا كان القرار يشمل السوريين فقط أم مختلف المخالفين من الجنسيات الأخرى.

وفقاً لما ذكرته مصادر عراقية غير رسمية لـ‘‘أثر’’، تبين أنّ السبب الرئيس لذلك يعود إلى حالة الفلتان الأمني التي سادت في الإقليم أولاً، حيث كانت حكومة ‘‘الإقليم’’ سهلت خلال السنوات الماضية دخول عشرات الآلاف من الآسيويين والأفارقة ومن ضمنهم سوريون، وكان عدد كبير منهم يدخل إلى أراضي الحكومة المركزية في بغداد عبر “التهريب”، أو عبر دخول نظامي مؤقت وكسر الإقامة لاحقاً، ما أدى إلى سواد حالة أشبه لما سميت ‘‘فلتان أمني’’ في بعض المناطق العراقية، رافقها ممارسات لآسيويين بامتهان طرق غير شرعية للعيش كبيع المخدرات، وجرائم القتل أيضاً.

وتشير هنا المصادر، إلى حادثة منطقة “الأعظمية” والتي كانت الشرارة الأولى لما جرى من عمليات ترحيل مؤخراً، وهي لا تخص السوريين فحسب وإنما كل المخالفين من الجنسيات الأخرى، وبالفعل خلال النصف الأول من شهر رمضان المنصرم، أقدم شخص باكستاني الجنسية دخل إلى العراق بطريقة غير نظامية عبر إقليم كردستان، على إطلاق النار على مواطنين خلال حفل إفطار جماعي بالقرب من جامع الإمام أبو حنيفة في منطقة الأعظمية وسط العاصمة بغداد، مستخدماً مسدساً لكنه لم يصب أحداً، فيما جرت ملاحقته واعتقاله في أحد الأزقة، لكنه وأثناء الملاحقة أصاب أحد عناصر الشرطة بطلقٍ ناري، وفقاً لما ذكره موقع “ميدل إيست نيوز”.

على أثر تلك الحادثة، أطلقت السلطات الأمنية في بغداد حملة أمنية متشددة لمتابعة وملاحقة العمالة الأجنبية التي دخلت البلاد عبر “التهريب”، وبنفس الوقت قامت الحكومة العراقية المركزية في بغداد، بحسب المصادر، بإلقاء اللوم على حكومة “إقليم كردستان” باعتبارها أنّها هي من كانت تسهل دخول هؤلاء دون وجود ضوابط صارمة على الحدود.

وبالتوازي مع الإجراءات التي قامت بها حكومة إقليم شمال العراق، كانت السلطات الأمنية في بغداد قد تمكنت أيضاً من إلقاء القبض على (262) عاملاً آسيوياً في مناطق (مدينة الصدر، والشعب، والحميدية) دخلوا العراق بصورة غير شرعية، وستتخذ الإجراءات القانونية بحقهم بحسب جهة الاختصاص، وسبقه أيضاً الإعلان الرسمي عن إلقاء القبض على (555) مخالفاً لشروط وضوابط الإقامة من مختلف الجنسيات داخل العراق، وفقاً للموقع المذكور.

إلا أنّ الموقع لم يذكر أي شخص يحمل الجنسية السورية من بين المرحلين، ما يشير إلى أن التوجه الحكومي العراقي لا يستهدف السوريين بشكل مباشر، وإنما المخالفين من جنسيات أخرى ولا يزال عدد المرحلين من داخل مناطق الحكومة الاتحادية محدود ولا يُذكر.

ثانياً- مصير المخالفين الذين يتم إلقاء القبض عليهم:

مصادر من الجالية السورية في العراق أكّدت لـ‘‘أثر’’ أنّ الحملة الأخيرة التي بدأت خلال النصف الأول من رمضان، كان متشددة أكثر مما هو كان سائداً من قبل فيما يتعلق بملاحقة المخالفين، حيث كثر انتشار مجموعات السيطرة الأمنية (الحواجز)، إضافة إلى ذلك شهدت العديد من الأماكن التي يتواجد فيها سوريون وغيرهم مداهمات من قبل الجهات الأمنية، لكن غالباً كان أصحاب العمل يتدخلون ويعيدون جواز السفر للسوريين المخالفين كونهم يشكلون عمود رئيسي لمنشآتهم التجارية أو الخدمية.. وغيرها.

وحول مصير من يتم إلقاء القبض عليهم كمخالفين لشروط الإقامة في مناطق الحكومة الاتحادية، بينت المصادر أنّ هذا يختلف بحسب حالة الشخص، فهناك حالات عدّة للمخالفين، الأولى من دخلوا بطرق غير شرعية عبر ‘‘أربيل’’، هؤلاء في حال تم إلقاء القبض عليهم يتم سجنهم لفترة محدودة ويدفعون غرامة مالية ومن ثم يرحلون إمّا لــ”أربيــل” أو إلى سوريا وفقاً لما يرتئيه القاض.

أمّا بالنسبة لمن دخلوا إلى العراق بطرق نظامية عبر الفيزا سواء أكانت بقصد (السياحية الدينية، أو السياحية بالعموم) وكلاهما لمدة شهر، أو بقصد العمل (فيزا عمل سنوية)، ويقومون بكسر فيزهم ويبقون في العراق، فهؤلاء أيضاً يتم سجنهم لفترة وتغريمهم وترحيلهم إلى الدول التي جاءوا منها ووضع لهم منع دخول إلى الأراضي العراقية إما لعامين أو خمسة أعوام.

وتؤكّد المصادر أنّ من يتم إلقاء القبض عليهم مخالفين من السوريين وليس لديهم معارف أو أصحاب عمل يدبرون أمورهم، يتم ترحيلهم مباشرة بعد دفع غرامات معينة، وهنا تدلل المصادر على ذلك بحادثة حصلت منذ عام تقريباً حيث تم ترحيل (5) سوريين من جنوب العراق بعد مداهمة منزلهم وضبطهم مخالفين لشروط الإقامة، وتم منعهم من دخول الأراضي العراقية لمدة عامين.

ثالثاً- ما علاقة ما يجري بالانتخابات المقبلة في إقليم كردستان؟

تزامنت الإجراءات المتشددة من قبل الجهات الأمنية في إقليم كردستان بحق المقيمين بطرق غير شرعية هناك، مع تحديد رئاسة الإقليم الـ (10) من حزيران 2024 موعداً جديداً للانتخابات البرلمانية، والتي كانت مقررة في فبراير/شباط، وذلك بعد إرجائها مراراً نتيجة خلافات سياسية بين الحزب “الديمقراطي الكردستاني” الحاكم الآن، وحزب “الاتحاد الوطني الكردستاني” الخصم الأقوى في الإقليم والذي كان منه جميع رؤساء جمهورية العراق من “الاتحاد الوطني الكردستاني” منذ عام 2004 بعد الغزو الأميركي للعراق حتى الرئيس الحالي عبد اللطيف جمال رشيد الذي انتخب في 13 تشرين الأول عام 2022.

وسبق قرار تحديد الانتخابات أيضاً، قرّار الحكومة العراقية في 2/1/2024 إغلاق مخيمات النازحين العراقيين الموجودة في الإقليم والبالغة عددها حوالي 25 مخيماً وحددت 30 حزيران 2024 آخر موعد لذلك، وهذا حينها ترك مخاوف كبيرة أمام اللاجئين السوريين من إغلاق مخيماتهم مستقبلاً أيضاً وإجبارهم على العودة إلى بلادهم، في وقت لا تزال فيه الأوضاع الداخلية غير مهيئة بالكامل في ظل العقوبات الاقتصادية والحصار الغربي على البلاد.

وما يجري اليوم من عمليات ترحيل للاجئين السوريين، تتناقض بوضوح مع تصريحات مسؤولي الإقليم التي صدرت أول كانون الثاني الماضي، والتي أكّدت بأنّها ملتزمة بحماية اللاجئين السوريين وتقديم الدعم لهم، وإنّ التغيير الحاصل في تعامل حكومة الإقليم مع السوريين، ربما يندرج ضمن صراعات ومناكفات سياسية تحصل حالياً بين الحزبين الكرديين.

وهنا يؤكّد الخبراء أنّ ما يجري اليوم في ‘‘إقليم كردستان’’ لا يمكن فصله عن الصراعات السياسية الداخلية، حيث أنّ “حزب الاتحاد الوطني” المعارض يحمّل حكومة “الحزب الديمقراطي” الحالية، مسؤولية الفلتان الأمني في الإقليم، فهو ليس إلا محاولة لاستغلال حالة وجود المخالفين لشروط الإقامات من السوريين وغيرهم للحصول على مكاسب في الانتخابات المقبلة.

رابعاً- هل هناك حلول لمعالجة أوضاع السوريين في العراق؟

بالرغم من أنّ الوضع لا يزال مبهماً حيال أوضاع السوريين المخالفين في العراق، إلّا أنّ المشكلة الأساسية هنا، بحسب الخبراء المتابعين للشأن المحلي العراقي، هو أنّ طبيعة المؤسسات التي يعملون بها والظروف التي يمر بها العراق لا تساعد على ذلك، حيث أنّ العراق غير مهيأ حالياً لمنح الإقامات للأجانب سواء السوريين أو غيرهم ممن يبلغ عددهم بالملايين، خاصة وأن عشرات الآلاف منهم يعملون ضمن مؤسسات عراقية غير مرخصة في الأساس، وبالتالي هذا يتعارض مع القوانين والأنظمة العراقية السائدة والمنظمة لأسس منح الإقامة لمن هي بحاجة لهم.

ويشير الخبراء إلى أنّ هذه المسألة ربما تتطلب إجراءات أقل تعقيداً، وتساهلاً من قبل السلطات العراقية، لكن بالطبع ضمن شروط وضوابط معينة، فيمكن على سبيل المثال تسوية وضع المنتجين منهم وخاصة ممن يشكلون ركيزة أساسية في سوق العمل العراقية عبر منحهم أذونات عمل وتصريحات مخصص، وليس إقامات دائمة، حيث يصار تجديدها كل فترة وعلى مسؤولية أصحاب العمل ريثما يتم إيجاد حل دائم لهم مستقبلاً.

قصي المحمد

اقرأ أيضاً