خاص|| أثر برس بعد مرور شهرين على إعلان وزير الخارجية التركي حقان فيدان، أن الظروف غير مناسبة لإنجاز “عملية التقارب السوري- التركي”، دعا زعيم حزب الحركة القومية التركي، دولت بهشالي، حليفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، إلى التعاون العسكري مع دمشق في مواجهة عناصر “حزب العمال الكردستاني”.
ونقلت صحيفة “زمان” التركية عن بهشالي قوله في كلمة أمام كتلة الحزب في البرلمان: “أوصي تركيا وسوريا بتنفيذ عمليات عسكرية منسقة في منبع التنظيم الإرهابي الانفصالي، وفي مناطق المستنقعات التي يتكاثر فيها”.
وفي الوقت نفسه أكد رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، أن بلاده تجري خطوات جدية للتقريب بين سوريا وتركيا، واعداً بأن المرحلة المقبلة ستشهد بعض الخطوات، مشيراً إلى أنه على تواصل مع الرئيس بشار الأسد، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
لا متغيرات في المواقف الرسمية:
لم توحِ تصريحات المسؤولين السوريين والأتراك إلى وجود أي متغيرات عملية في هذا المسار، إذ قال وزير الدفاع التركي يشار غولر، على هامش متابعته المرحلة الأخيرة لمناورات “أفيس 2024” بتاريخ 1 حزيران الجاري: “إن الاتصالات بين أنقرة ودمشق بشأن تطبيع العلاقات بينهما تقتصر حالياً على اللقاءات في إطار مسار أستانا، بين روسيا وتركيا وإيران”.
بدوره، قال وزير الخارجية فيصل المقداد، في مؤتمر صحافي أجراه أمس مع وزير الخارجية الإيراني بالوكالة علي باقري كني: “الشرط الأساسي لأي حوار سوري-تركي هو إعلان تركيا استعدادها للانسحاب من أراضينا”، مشدداً “لن تُطبع العلاقات بين البلدين إلا إذا قالت تركيا في وضح النهار بأنها ستنسحب من الأراضي السورية”.
وفي هذا السياق أشار الأستاذ أحمد الإبراهيم المختص التركي، في حديث لـ”أثر برس” إلى عدم وجود أي متغيرات في الموقف التركي الرسمي إزاء هذا الملف لافتاً إلى أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لم يتراجع أي خطوة إلى الوراء.
وبيّن الإبراهيم أن “رجب طيب أردوغان هو موظف من قبل البيت الأبيض لرئاسة تركيا، وبالتالي لا يحق له اتخاذ أي خطوة من دون الأوامر التي تأتي من واشنطن” مضيفاً أن “أي شخص مطلع على السياسة التركية يعلم أنه منذ عام 1947 وحتى اليوم، تركيا غير مؤهلة لاتخاذ قرارات بما يخص سياستها الخارجية، من دون العودة إلى الولايات المتحدة الأمريكية”.
وأوضح الإبراهيم أن “أردوغان حتى اليوم يعتبر نفسه أنه لا يقاتل خارج حدود تركيا، إذ يعتبر أن إدلب داخل حدود تركيا بحسب ميثاق المللي، الذي تم فيه ترسيم الحدود التركية عام 1919، ويقضى الميثاق أن تمتد مساحة تركيا من شمال اللاذقية مروراً بإدلب وحلب والجزيرة السورية، وصولاً إلى داخل الأراضي التركية، وبالتالي أردوغان يعتبر أن الأراضي السورية التي توجد قواته فيها هي أراضٍ تركية”.
أما بخصوص موقف دمشق أكد الإبراهيم أن “شروط الدولة السورية واضحة، فهي لا تساوم أي محتل”.
كيف يمكن تبرير الدعوة التركية والوساطة العراقية؟
تأتي الوساطة العراقية في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين العراق وكل من سوريا وتركيا تطوراً إيجابياً وانفتاحاً على مستويات عدة ففي 12 أيار الفائت وقّع الجانبان العراقي والسوري اتفاقية تعاون أمني، وفي 22 نيسان الفائت زار أردوغان، العراق في أول زيارة له منذ 13 عاماً ووقع الجانبان خلال الزيارة عدداً من الاتفاقيات الثنائية في مجالات الطاقة والمياه والأمن والتجارة والنقل.
وفي هذا الصدد، أشار تقرير نشره موقع إذاعة “مونت كارلو” إلى أن “الوضع الأن سواء على الصعيد الإقليمي وما يحدث في الإقليم أم حتى على الصعيد الداخلي التركي، وحديث تركيا عن سياسة انفتاح سياسة خارجية جديدة ربما يدفع جهود العراق خطوة إلى الأمام”.
بدوره، أعرب المختص بالشأن التركي أحمد الإبراهيم، في حديثه مع “أثر برس” عن تشاؤمه من هذه الوساطة، مشيراً إلى أن هذه الوساطة لن تسفر عن أي نتائج، وقال: “اليوم القتال قتال محاور لا يوجد أي أحد ممكن يتخذ قراراً من دون قرار المحور بأكمله، وكذلك أردوغان، لا قدرة لديه أن يتخذ قرار إلا بموافقة البيت الأبيض”.
وفيما يتعلق بدعوة بهشالي للتنسيق العسكري مع دمشق، لفت الإبراهيم، إلى أن الداخل التركي يدعو باستمرار للتقارب مع دمشق، موضحاً أن “التصريحات الصادرة هي مجرد أمنيات من الأحزاب المؤيدة والمعارضة لأردوغان، لأن تركيا انعزلت عن محيطها نتيجة موقفها العدائي من سوريا لأن الأخيرة هي بوابتها الجنوبية إلى الشرق الأوسط”.
وخلص الإبراهيم في حديثه إلى أن “اليوم الذي ستنجح فيه هذه الوساطة، يعني أن الولايات المتحدة أعلنت انتهاء المشروع المُسمى بمشروع الشرق الأوسط الكبير، وفشله” مشيراً إلى أن أردوغان، يقدّم نفسه باستمرار على أنه “الرئيس الإقليمي للشرق الأوسط الكبير”.
وانطلق مسار التقارب السوري- التركي في تموز 2022، إذ أعلن حينها وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، أن لدى بلاده نية لتقريب وجهات النظر بين سوريا وتركيا، وتم إجراء قمة ثلاثية بين تركيا وروسيا وإيران في طهران، تبعها لقاءات سورية- تركية جرت بوساطة روسية- إيرانية، وذلك على مستوى وزراء الدفاع والخارجية.
وفي 3 آذار الفائت قال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف: “نؤكد اهتمامنا بتطبيع العلاقات بين سوريا وتركيا، لقد عملنا لتحقيق ذلك ومستمرون فيه، لكن الخطوات العملية الآن غير ممكنة على خلفية ما يحدث في قطاع غزة والأراضي الفلسطينية الأخرى، إذ يؤثر ذلك بشكل مباشر في جميع المشاركين في هذه العملية” وبعد يوم واحد من تصريح لافروف، أشار نظيره التركي إلى أن الظروف الحالية غير مواتية لإنجاز عملية “التقارب السوري- التركي”.
زهراء سرحان