أثر برس

روسيا والاعتداءات “الإسرائيلية” على سوريا: الحاجة لاستجابة متناسبة

by Athr Press Z

خاص|| أثر برس التفاهمات بين روسيا و”إسرائيل” حول سوريا هي “تفاهمات سلبية” أو “احتوائية” في الغالب. أي ليس من أجل تنفيذ عمل ما، وإنما من أجل الحيلولة من دون حدوث احتكاك أو تعارض قد يدفع الطرفين لخيارات أكثر حدة تجاه بعضهما في سوريا.

تريد روسيا ألا تفعل “إسرائيل” ما يمكن أن يهدد أهدافها ومصالحها في سوريا، وتريد “إسرائيل” أن لا تخلق روسيا ظروفاً يمكن أن تهدد رهانات “إسرائيل” في سوريا، ومن ذلك الوجود الإيراني في سوريا. وفي مدارك الطرفين: لا مصلحة بـ”الاحتكاك” أو “الصدام” بشأن سوريا. ولذا يُفضِّلُ الطرفان –من هذا المنظور_ وضع حدود وخطوط يجب عدم تخطيها؟

الخروج عن النص!
كان للتفاهمات بين روسيا و”إسرائيل” دور في ترتيب عودة سلطة الدولة السورية إلى المنطقة الجنوبية عام 2018. ثمة إلى ذلك نوع من التفاهمات أو التوافقات الموضوعية، ويتعلق الأمر بموقف الطرفين من وجود إيران في سوريا. صحيح أنهما ليسا سواء، وأن التوافقات محددة، لكن الرغبة في “احتواء” إيران في سوريا، تمثّل عامل توافق رئيس بينهما (روسيا، “إسرائيل”). مع فارق أن روسيا ربما تريد “ضبط” ذلك الوجود، لا إنهاءه. بينما تريد “إسرائيل” “تفكيك” وجود إيران في سوريا، وخاصة في تأثيراته بها، وبالأخص في موضوع دعم وتسليح حزب الله في لبنان، وما تقول “إسرائيل” إنه اهتمام إيران والحزب بالتمركز في المنطقة الجنوبية من سوريا.

لكن، من المهم ملاحظة أن الوقائع في الإقليم (والعالم) تتسارع بشكل أكبر من قدرة وربما اهتمام الطرفين بالمراجعة وإعادة بناء التفاهمات القائمة. وتميل “إسرائيل” إلى الخروج عن النص، حتى قبل الحرب الأوكرانية. وعند اندلاع الحرب الأوكرانية برزت تناقضات واختلالات متزايدة في الموقف بين موسكو وتل أبيب.

تقديرات “إسرائيل”

لكن “سكوت” روسيا عن الاعتداءات الإسرائيلية المتكررة على سوريا، على الرغم من التهديد الإسرائيلي بتوسيع ذلك، أعطى “إسرائيل” شعوراً أن بإمكانها زيادة التدخل في سوريا بكيفية يمكن أن تؤثر في خرائط واتجاهات القوة والسيطرة في البلاد والإقليم. ويمكن قراءة موقف “إسرائيل” ذلك في مستويات أو معان رئيسة:

  • الأول أن الأوضاع في الإقليم والعالم مواتية لـ “إسرائيل”، ثمة فرصة سانحة لتغيير الإقليم، وكسر أو تجاوز مصادر تهديد لوجود “إسرائيل”.
  • الثاني هو الشعور بفائض القوة الذي يمكّنها من توسيع خيارات الحرب، وخاصة أنه ثمة توافق واسع النطاق في الإقليم والعالم على دعم “إسرائيل”.
  • الثالث إن تغيير النمط حيال سوريا، وليس فقط زيادة الاعتداءات ضد “تموضع إيران” فيها، يعني حكماً مراجعة تفاهماتها مع روسيا بشأن سوريا. وهذا يتطلب –من منظور “إسرائيل”_ المزيد من الضغوط على روسيا.
  • الرابع هو الشعور أن روسيا ليست في وضع يمكنها من الضغط على “إسرائيل” بشأن سوريا، ولا تريد المخاطرة بعلاقاتها وتفاهماتها مع “إسرائيل”، بسبب مخاوف من تعقيد ظروف وجودها في سوريا وشرق المتوسط، ومن أن تزيد “إسرائيل” دعمها لأوكرانيا في مواجهة روسيا.

تقديرات روسية
بالمقابل، يمكن الحديث عن تقديرات روسيا بشأن الموقف بينها و”إسرائيل” في سوريا، وذلك في النقط أو المستويات الرئيسة الآتية:

  • الأول لن تتخلى روسيا عن وجودها ومصالحها في سوريا. وإن مبررات ذلك لم تتغير، بل زادت أهمية وحيوية. وذهبت التقديرات إلى أن تعقيد الوضع في أوكرانيا ربما يدفع روسيا لتركيز جهودها هناك على حساب الجبهة السورية. واتضح أن ذلك غير دقيق.
    بل لعل روسيا تخصص المزيد من الموارد من أجل رفع وتيرة وجودها في سوريا.
  • الثاني إن التقاطعات بين روسيا و”إسرائيل” بشأن سوريا هي “إطارية”، وليست من نمط التوافق أو التطابق التام. ولا تعني التفاهمات تجاهل روسيا –على طول الخط- لحالة العداء الأصلية والمتجذرة بين سوريا و”إسرائيل”. وربما حاولت روسيا الدفع لحوار أو اتصال بين سوريا و”إسرائيل”، لكن الأمور لم تصادف نجاحاً.
  • الثالث على “إسرائيل” أن تأخذ الوقائع والرهانات الروسية في سوريا بالاعتبار، وإن تلك الرهانات ربما تتسع لتشمل تصوراً للمصالح الروسية على مستوى الإقليم. ومعروف أن روسيا توسع مروحة الاهتمام إلى نطاقات جغرافية كبيرة تهم “إسرائيل” أيضاً: دول الخليج ومصر وليبيا والسودان وعمق أفريقيا.
  • الرابع إن اتجاه “إسرائيل” لتغيير الإقليم (يتحدث نتنياهو عن تغيير الشرق الأوسط) لا يمكن أن يكون محل قبول من جهة روسيا، ما لم تؤخذ مصالحها بالاعتبار. وقد يكون لها استجابات نشطة ذات طبيعة مناهضة تجاه خطط أو توجهات من هذا النوع، وبالأخص إذا كان الهدف ضرب إيران أو تحقيق “احتواء عميق” لوجودها في الإقليم. وثمة اهتمام متزايد من روسيا لتعزيز علاقتها الاستراتيجية مع إيران.
  • الخامس إن الفوارق في الإمكانات والقدرات، وحيث تبدو “إسرائيل” أكثر تفوقاً، لا تبرر تجاهل أوليات ورهانات روسيا. “إسرائيل” ليست مخولة بمباشرة رهانات أو تطلعات وخطط تغيير على هذا المستوى، من دون الأخذ بالاعتبار فواعل مثل روسيا. صحيح أن لدى “إسرائيل” فائض قوة واضح، وتفويض واسع النطاق من قبل الغرب وعدد من الدول العربية، لكن ثمة حدود وإكراهات لما يمكن أن تفعله. ولا شك أن لدى إيران قوة ردع وازنة ومؤثرة بهذا الخصوص.

مناطق رمادية
ثمة “منطقة رمادية”، لا تخضع لتفاهمات الأطراف. ويحدث أن يعمل طرف على توسيع نطاق العمل المتاح له، مستفيداً من سكوت أو انشغال أو تردد أطراف أخرى. وهذا ما يحتمل حدوثه من جهة “إسرائيل”. تزيد المناطق الرمادية نطاق وطبيعة الاعتداءات الإسرائيلية في سوريا، بالقدر الذي لا يشعر روسيا بالتهديد المباشر. وغير معروف ما هي الحدود القصوى لذلك، ولا ما إذا كانت روسيا و”إسرائيل” تعيدان تأكيد أو رسم وتعيين الحدود والخطوط لتفاهماتهما بشأن سوريا. وليست ثمة مؤشرات كثيرة بهذا الخصوص.

لكن عندما يصل الأمر إلى “نقطة حرجة”، فقد يجد الروس أنفسهم تحت ضغوط متزايدة، ليس من جهة “إسرائيل” مباشرة فحسب، وإنما من جهة التأثيرات السلبية وارتدادات التدخل الإسرائيلي في المشهد السوري والإجهاد المتزايد في حالة سوريا أيضاً. وإذا هدد التورط الإسرائيلي وجود أو مصالح روسيا في سوريا، وفي مقدمها وجود سلطة الدولة السورية، لا يمكن لروسيا أن تتجاهل ذلك، وإلا ما معنى تدخلها في المشهد السوري في العام 2015 عندما كانت المخاطر كبيرة ومتعددة الجهات والأنماط؟

إن مصالح روسيا في سوريا ليست “محض روسية”، تتجلى المصالح في “أبعاد سوريا” أيضاً، أي الأخذ بالاعتبار، بقدر غير محدد أو غير معروف يقيناً، “تقديرات دمشق” حول ما يحدث، وخاصة أن الرأي العام والفواعل غير الرسمية في سوريا لديها تساؤلات متزايدة حول: موقف روسيا من التدخلات الإسرائيلية متزايدة الحدة في سوريا؟ وهل يمكن لروسيا أن تدفع إلى وضع حد للتدخلات الإسرائيلية في سوريا؟

خيارات وبدائل

قد يُفضّل الروس المحافظة على التفاهمات القائمة، على صعوبة ذلك، لكنهم مهتمون بـ”إعادة التفكير” في التفاهمات مع “إسرائيل” فيما يخص الحدث السوري. أما على المستوى الإقليمي فلعل الأمور أكثر مرونة، والإقليم ليس محل تفاهمات نصية أو إطارية مباشرة بين الطرفين. وهذا يقتضي من روسيا العمل لاحتواء الاندفاعة الإسرائيلية في الحدث السوري، حتى لو تركز الاهتمام الإسرائيلي على “الوجود الإيراني” في سوريا.

أما إذا، اتجهت “إسرائيل” للمزيد من التدخل العدائي في الحدث السوري، بما يهدد وجود ومصالح روسيا، فقد لا تستطيع روسيا السكوت طويلاً حيال ذلك، ربما لا تدخل في مواجهة مباشرة مع “إسرائيل”، لكن بإمكانها ممارسة ضغوط مؤثرة وربما مقررة في مسارات الأمور. لدى روسيا إمكانات وقدرات كبيرة لا يمكن لـ “إسرائيل” تجاهلها.

وإن لدى روسيا خيارات أخرى عدة في مواجهة اندفاعة إسرائيلية منفردة في سورية، وتتمثل في:

المزيد من الدعم التقني العسكري لإيران وأطراف أخرى، بشكل يحد من اندفاعة إسرائيلية حادة في الإقليم. وتتحدث تقديرات إعلامية وسياسية عن ان روسيا ربما بدأت إمداد إيران بأنظمة دفاع جوي ورادارات وأنظمة تشويش..إلخ لمواجهة اعتداءات إسرائيلية وأمريكية محتملة ضدها.

في الختام،
تتعرض التفاهمات التي حكمت الموقف بين روسيا و”إسرائيل” تجاه سوريا لـ “ضغوط تعديلية” متزايدة من قبل “إسرائيل”، تتمثل في تزايد الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا، في ظل صمت روسيا واضح عما يحدث. والأصل في وجود روسيا في سوريا هو دعم سلطة الدولة تجاه مصادر التهديد، وهي كثيرة، وليس فقط تجاه مصادر تهديد بعينها.

ولعل الجواب الأهم من قبل روسيا على الأسئلة المتزايدة لدى السوريين تجاه موقفها من تزايد الاعتداءات الإسرائيلية، والتي أخذت تؤثر سلباً في صورة وطبيعة العلاقات بين سوريا وروسيا، هو أن تكون استجابة احتوائية أو ردعية أو تمكينية متناسبة، بالسياسة والأمن والاستراتيجيات، تخفف أو تحتوي ما يحدث، بما يجعل الوجود الروسي في سوريا مفهوماً ومبرراً بنظر شريحة واسعة من السوريين.

الدكتور عقيل سعيد محفوض

اقرأ أيضاً