خاص|| أثر برس مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية في الخامس من نوفمبر، تتجه الأنظار إلى السياسات الأمريكية القادمة في عدد من الملفات، سيما وأن أحداث السابع من أكتوبر أفرزت متغيرات سياسية وإقليمية جديدة في المنطقة، خاصة بعد تصعيد عسكري “إسرائيلي” تجاه كل من فلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن، وامتداد ذلك لقصف متبادل مع إيران.
إذ تشير التحولات السياسية إلى أن أولويات جديدة باتت على طاولة الإدارة الأمريكية الجديدة لحلها خاصة الحرب الدائرة على لبنان، وامتداد القصف “الإسرائيلي” لدول الجوار، وعليه يؤثر ذلك من دون أدنى شك في الوضع في سوريا، والتي تحكمها ملفات عدة المرتبطة بالتدخل الأمريكي المباشر من حيث الوجود الفعلي على الأراضي السورية والقرار بالحصار الاقتصادي.
الحرب في المنطقة
تشير المتغيرات السياسية إلى أنه على الرغم من الدعم الأمريكي للكيان، فإن الموقف الأمريكي الحالي غير مشجع لبقاء حالة الحرب والتوتر في المنطقة، وهو ما ترجمته التقارير والتصريحات الأمريكية ورعايتها وساطة وقف إطلاق النار قبل اغتيال الأمين العام السابق لحزب الله.
لكن الباحث في السياسات الأمريكية من واشنطن الدكتور منذر سليمان، يشير إلى أنه لا فرق مستقبلاً في سياسات المرشح الجمهوري دونالد ترامب أو الديمقراطية كامالا هاريس فيما يتعلق برعاية الحرب إلا في مستوى الخطاب الإعلامي، إذ يرى سليمان أن هاريس كانت أكثر تعاطفاً مع المدنيين في فلسطين ولبنان في إطار حملتها الانتخابية ليس أكثر، كون موقفها الحقيقي يعود لموقف الرئيس الحالي جو بايدن، بينما موقف ترامب هو أكثر وضوحاً من حيث دعم الكيان بصفقات السلاح وتشجيعه على تنفيذ العمليات العسكرية خارج حدود الكيان.
ولفت د. سليمان في حديث أجراه مع “أثر برس” إلى أنه في حال عودة ترامب إلى الرئاسة الأمريكية سيستمر في منح الغطاء السياسي لـ”نتنياهو” بالإجرام وتزويد الكيان بالسلاح والمعونات الاقتصادية، عدا عن كونه العراب الحقيقي لصفقة القرن، وعليه سيعطي الضوء الأخضر لاقتطاع أجزاء إضافية من الضفة الغربية وقطاع غزة طالما اعتبر ترامب الكيان ضيق جغرافياً.
“قسد” والرهان الأمريكي
يعتقد الكاتب والباحث في الشؤون التركية سركيس قصارجيان، أن الموقف الأمريكي خاصة في السياسة الخارجية غير مرتبط بالشخصية الرئاسية بقدر ما يتبع لثلاث مؤسسات في الإدارة الأمريكية تمتلك زمام القرار بشكل حقيقي وهم الكونغرس، والبنتاغون، والبيت الأبيض، وهي فعلاً ما يحدد السياسة الأمريكية تجاه سوريا.
ويتحدث قصارجيان لـ”أثر برس” عن حوار أجراه مع القائد العام لـ”قسد” قبل أيام مظلوم عبدي، وأشار إلى أن قائد “قسد” عبّر صراحة أن “قوات سوريا الديمقراطية” لديها علاقات وثيقة داخل الإدارة الأمريكية التي أكدت أنها لن تتخلى عنهم، ولفت قصارجيان إلى أنه على الرغم من تماهي الموقف الأمريكي فيما يخص الأكراد، إلّا أن هناك ضرورة ورغبة أمريكية بالبقاء في سوريا وذلك لن ينجح من دون دعم “قسد”.
وعليه تبدي “قوات سوريا الديمقراطية” ارتياحاً تاماً من حيث وجود القوات الأمريكية التي تعزز نفوذها وقوتها، عدا عن حمايتها من التأثيرات المحيطة بها، خاصة من ناحية تخوفها من عملية اجتياح تركية سبق وأن هددت بها أنقرة، عدا عن هجمات العشائر السورية والتي توحدت لمحاربة الميليشيا المدعومة أمريكياً.
الانسحاب من سوريا
لعل الانسحاب الأمريكي من سوريا أحد أبرز المتغيرات السياسية الأمريكية في سوريا، إذ سبق وأن طالب ترامب بالانسحاب من سوريا قبيل انتهاء ولايته الانتخابية، بينما تجمدت هذه الرغبة مع تولي بادين سدة الرئاسة.
يعتقد الدكتور منذر سليمان، من واشنطن أن ترامب يدعو دوماً للانسحاب ورتب لذلك، وفي الوقت نفسه لديه تخبط في اتخاذ قراراته نتيجة لمزاجه السياسي، لطالما أراد السيطرة بشكل واضح على منابع النفط السورية، لكن درجة الاستهدافات المتكررة للقواعد الأمريكية في كل من سوريا والعراق، ومخاطر هذا الأمر في حال وقوع خسائر متنامية، سيغير الوضع وبعيد الحسابات في تعجيل الانسحاب.
بينما يرى الباحث السياسي سامر كركي، من بيروت أن أحد الأسباب الرئيسية لبقاء الأمريكي في سوريا وحتى العراق أيضاً هو غياب وجود أسباب دافعة لرحيله في ظل استفادته الاقتصادية من ملف النفط، لافتاً إلى المقاومة الشعبية الخجولة وقلة العمليات الموجهة ضده
ونوه الباحث كركي، في حديثه لـ”أثر برس” بغياب الرغبة الروسية بمواجهة القوات الأمريكية شرق الفرات، إذ تعتبر موسكو أن أولوياتها تحسين العلاقات الرسمية بين كل من سوريا وتركيا، وبعد ذلك ترسم السياسة الخارجية بخصوص ملف “قسد”.
الحصار الاقتصادي وتقارب أنقرة
في ظل الحديث عن التقارب التركي مع دمشق والانفراجات الاقتصادية المحتملة من ذلك، تزداد التساؤلات عن موقف السياسة الأمريكية القادمة حول طبيعة هذا التقارب، إذ إن واشنطن لم تعلق رسمياً على المسار التركي، ولم يظهر لديها موقف واضح لذلك، ويخشى البعض من تعطيل أمريكي لمسار التقارب، وعليه يعتقد الباحث سليمان من واشنطن أن ما يجري من مسار خاص للتقارب أمر تركته واشنطن للتقديرات التركية مع سوريا بما لا يخدم انفراجاً اقتصادياً على دمشق.
كما أشار الدكتور سليمان إلى أن فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية، يعني عدم التزام سياسة منضبطة، ومزاجية واضحة في العلاقات الخارجية، وتجاهل المجتمع الدولي سيما قرار ضم الجولان لكيان الاحتلال ضارباً القانون الدولي عرض الحائط.
ومع اختلاف الاتجاهات الحزبية للمرشحين لا يبدو أن أحداً منهم سيقود سياسة متوازنة تجاه سوريا، خاصة وأن حرباً جديدة في فلسطين ولبنان باتت من أولويات عمل الإدارة الجديدة، إذ يتفق كلا المرشحين على حصار سوريا اقتصادياً وتوجيه الدعم اللوجستي والعسكري للاحتلال الإسرائيلي، وعد السماح لأي منفذ اقتصادي بشق طريقه إلى سوريا.
د. أحمد الكناني