أثارت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، المتعلقة بالتقارب مع دمشق تساؤلات عدة حول توقيتها والخطوات التي ستتبعها، والعوامل المؤثرة فيها، إذ أعلن أردوغان، رغبته بلقاء الرئيس بشار الأسد، مستذكراً العلاقة الوديّة التي كانت تجمع عائلته بعائلة الرئيس الأسد.
ارتبط موقف أردوغان، بضغوط الداخل التركي، والتطورات الإقليمية التي تشهدها المنطقة سيما مسألة التقارب العربي- السوري، وفي هذا الصدد، لفت آخر سفير تركي في سوريا عمر أنهون في مقالة نشرتها مجلة “المجلة” إلى أن تركيا غيّرت نهجها، مدركة أن التعامل مع الرئيس الأسد ضروري لمعالجة قضية اللاجئين، وموضحاً أن “تركيا تواجه قضيتين رئيستين مرتبطتين بسوريا: الأمن واللاجئين السوريين، إذ يحمّل كثير من الأتراك- بما في ذلك أنصار حزب “العدالة والتنمية” الحاكم- الرئيس أردوغان وحكومته مسؤولية السماح لملايين السوريين بدخول تركيا بموجب سياسة الباب المفتوح”، مشيراً إلى أن “أردوغان يدرك أن هذه السياسة كلفته الكثير من الأصوات في الانتخابات، وهو يدعي الآن أن الإجراءات التي نفذها مؤخراً أدت إلى عودة نحو نصف مليون سوري من أصل 3.6 ملايين سوري في تركيا، مع توقع المزيد من العودة بموجب خطة الحكومة للعودة الطوعية والآمنة والكريمة”.
وعلى الصعيد الدولي، أكد أنهون أن “القضية السورية محفوفة بالتعقيدات والشكوك، وهي عرضة لتأثيرات دولية، من بينها ما ستسفر عنه الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقبلة، ومن المعروف عن دونالد ترمب، المرشح القوي، رغبته في الانسحاب من سوريا وغيرها من النقاط الساخنة في العالم”، مضيفاً أن “المجتمع الدولي أصبح يشعر بالضجر من الحرب السورية الطويلة والمكلفة، مع إعطاء الأولوية للأزمات في أوكرانيا وغزة، ومع ذلك، فإن الأزمة السورية لم تنته بعد”.
وفي السياق نفسه، أشارت مقالة نشرها موقع “العربي الجديد” إلى أنه منذ مؤتمر القمّة العربية في جدّة في أيار 2023، لا تزال المبادرات العربية وغير العربية تتتالى في سياق إعادة التطبيع مع دمشق، وفيما يتعلق بأنقرة أشارت المقالة إلى أن “واقع الحال يشير بمزيدٍ من الوضوح إلى أن أنقرة لا تخفي مبتغاها من هذا التقارب، إذ تؤكّد بوضوح أنها تهدف إلى تشجيع دمشق، بل دعمها إذا اقتضى الأمر، من أجل إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن حدودها الجنوبية وإبعاد شبح قيام كيان كردي يهدد أمنها القومي”.
وتزامن تصريح أردوغان، مع تصريح آخر للرئيس بشار الأسد، أكد فيه أن “سوريا تعاملت دائماً تعاملاً إيجابياً وبنّاءً مع كل المبادرات ذات الصلة”، لافتاً إلى أن نجاح وإثمار أي مبادرة ينطلق من احترام سيادة الدول واستقرارها، في موقف ينسجم مع مطلب دمشق المتعلق بعودة أراضيها إلى سيطرتها وخروج القوات التركية من سوريا، وفي هذا الصدد أشار الصحافي السوري المختص بالشأن التركي سركيس قصارجيان، في مقالة نشرتها صحيفة “النهار” اللبنانية: “ليس واضحاً حتى الآن مدى تجاوب أنقرة مع شرط دمشق القديم – الجديد للجلوس إلى طاولة المفاوضات والمتمثّل بانسحاب الجيش التركي من المناطق التي يسيطر عليها بالفصائل المسلّحة التابعة له والمنضوية تحت مظلّة الجيش الوطني”.
وأضاف أن “دمشق ترى أنّها أبدت الليونة المطلوبة لإكمال المصالحة باستبدال مطلب الانسحاب بضرورة تحديد خريطة طريق لتنفيذ الانسحاب بضمانة روسية – إيرانية، وهي التي تسمّي الوجود العسكري التركي على الأراضي السورية احتلالاً”، متابعاً أنه “في المقابل، تبدو تركيا مصرّة على مواصلة استغلال المجموعات المسلّحة السورية التابعة لها في مشاريعها في النيجر وجبال قنديل وشمال شرقي سوريا، إضافة إلى خشيتها من انفجار قنبلة القاعدة الموقوتة في إدلب في وجهها، ولا يزال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان يتحدّث عن جعل المعارضة شريكة للحكومة في دمشق، قائلاً إن سوريا ستكون أقوى بهذه الطريقة”.
التطورات التي شهدها ملف التقارب السوري- التركي جاءت بعد أسابيع قليلة من إعلان رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، مبادرة تقودها بغداد لتحقيق التقارب السوري- التركي، لتؤكد تسريبات صحافية فيما بعد أن إعادة تفعيل هذا المسار تلقى دعماً عربياً واسعاً وخصوصاً من قبل السعودية والإمارات، كما تلقى دعماً روسيا وصينياً وإيرانياً، وأفادت مصادر نقلت عنها صحيفة “الوطن” السورية بأن العاصمة العراقية بغداد ستشهد اجتماعاً سورياً-تركياً مرتقباً، موضحة أن هذه الخطوة ستكون بداية عملية تفاوض طويلة قد تفضي إلى تفاهمات سياسية وميدانية.
وأشارت المصادر إلى أن الجانب التركي كان قد طلب من موسكو وبغداد الجلوس إلى طاولة حوار ثنائية مع الجانب السوري ومن دون حضور أي طرف ثالث وبعيداً عن الإعلام للبحث في كل التفاصيل التي من المفترض أن تعيد العلاقات بين البلدين إلى سابق عهدها.