خاص ||أثر برس يشهد الواقع الزراعي في الزبداني بريف دمشق حالةً فريدة من نوعها، إذ إنّ المدينة التي شهد الناس على أشجارها وثمارها باتت اليوم بلا شجر أو ثمر.
هكذا يقول المزارع “أبو محمد” من منطقة الزبداني، مضيفاً لـ “أثر” أنّ النشاط الزراعي في المدينة أصبح يقتصر على البقوليات والخضروات، أما الأشجار فهي قليلة جداً ولا تتجاوز الـ 5% من سهل الزبداني.
ويشير أبو محمد إلى صعوبة العمل الزراعي في المدينة ومحيطها بسبب عوامل عدة أبرزها أن المحاصيل في موسمها لا تحصل على سعر مجزٍ، خاصة أن تسويق أغلبها يتم في السوق الداخلية، معتبراً أن الوضع المعيشي لمعظم السوريين يجعلهم يشترون المحاصيل بالحد الأدنى، دون شراء كميات كبيرة لـ “المونة” كما كانت العادة بالنسبة لمحاصيل الفول والبازلاء.
قطع أكثر من 500 ألف شجرة:
كشف مصدر في بلدية الزبداني لـ “أثر” أنَّ عدد الأشجار المقطوعة في المدينة تجاوز الـ 550 ألف شجرة مثمرة على مساحة تقدَّر بـ 13 ألف دونم، إضافةً إلى أنَّ الحرائق الكبيرة التي اجتاحت سهل الزبداني عام 2019، أجهزت على نحو 200 شجرة مثمرة وآلاف الدونمات من المحاصيل الحقلية.
وهنا يوضح المصدر أن “سيطرة الفصائل المسلحة على مدينة الزبداني بين عامي 2012 و2017 قبل أن يستعيد الجيش السوري السيطرة عليها عام 2018، سهَّلت عليهم قطع الأشجار وبيعها كحطب، حيث وصل سعر الطن الواحد من الحطب في تلك الأثناء إلى ما يعادل 200 دولار أي (100 ألف ليرة سورية آنذاك)، إضافةً إلى تخريب ونهب ما يفوق 1200 بئر ارتوازية؛ ما أدى بالضرورة إلى “شلل زراعي” لحق معظم أراضي السهل لمدة سنتين أو ثلاث سنوات”.
وأشار المصدر أيضاً إلى الأضرار البيئية التي لحقت بالمدينة جراء قطع الأشجار، حيث انخفض معدل هطول الأمطار بواقع 400%، إذ إن معدل الهطل السنوي قارب في عام 2010 حوالي 2500 ملم، بينما في عام 2023 لا يتجاوز الـ 516 ملم.
ويضيف: معدلات الهطول القليلة أجبرت الكثير من المزارعين على استهلاك كمية أكبر من المحروقات لسقاية المزروعات وهو ما يعود بالتكلفة الباهظة على الفلاح نفسه، حيث وصل سعر المازوت الحر المستخدم للسقاية في الزبداني إلى 17500 ليرة سورية.
على المستوى الحكومي حدِّث ولا حرج:
إلى ذلك، اعتبر رئيس الجمعية الفلاحية في الزبداني محمود حيدر بحديثه مع “أثر” أن الفلاح فعلاً يعاني في مدينة الزبداني سواء من غلاء في المحروقات، والمبيدات، عدا عن الدعم غير الموجود.
وأشار حيدر إلى أن الفلاح لا يجد الدعم من المصرف الزراعي أو من دائرة الزراعة في المدينة، حيث يقوم المصرف الزراعي بتسليم المزارع 4 كغ سماد للدونم الواحد بينما تصل أحياناً حاجة الشجرة الواحدة في حال تجاوز عمر ها 30 عام إلى الكمية نفسها، في حين أنَّ الدونم نفسه قد يحوي حوالي 50 شجرة.
وبالنسبة لتوزيع الغراس، لفت حيدر إلى أنَّ الزراعة لا تعطي الغراس بناء على طلب الجمعية الفلاحية فقط وإنما وفق ما سماه “النسبة والتناسب” حيث تطالب الجمعية بـ 10 آلاف غرسة مثلاً فتصلها 20% من الكمية المطلوبة فقط.
وقال حيدر: “بالعام الماضي تم توزيع 2800 غرسة على الفلاحين وهذا الرقم لا شيء مقارنةً بما يحتاجه السهل ولكن نقوم بما في استطاعتنا”.
وبالنسبة لتكلفة إعادة تأهيل البئر الواحدة من الآبار التي تم نهبها، يبين حيدر بأنها تصل لنحو 200 مليون ليرة، معتبراً أن الطاقة البديلة تشمل نصف هذه التكلفة، علماً أن التوجه الحكومي يسير في هذا الاتجاه وفق ما أعلنت الحكومة السورية في أكثر من مناسبة.
وختم حيدر حديثه لـ”أثر” مطالباً بدعم أكبر للفلاح، معتبراً أن الشريان الأساسي للمدينة هو العمل الزراعي، مستنكراً افتقاد الفلاح للكثير من الدعم سواءً على صعيد المحروقات أو المبيدات الحشرية أو الغراس وتأهيل الآبار.
كما حاول “أثر” التواصل مع دائرة زراعة الزبداني للرد على ما جاء ضمن هذا التقرير إلا أنه لم يتجاوب أحد مع اتصالنا.
وتقع الزبداني على مسافة 45 كيلومتراً شمال غربي العاصمة دمشق اشتهرت بكونها رئة دمشق وسلة الغذاء في ريفها، كونها تجمع السهل والجبل، وتعرف بغزارة ينابيعها وتراكم الثلوج فيها طيلة فصل الشتاء.