خاص|| أثر برس بات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ورئيس الحكومة الإسرائيلية “بنيامين نتنياهو” رأسي حربة لمشهد سياسي واضح على الساحة الدولية، فهما أكثر شخصيتين تدعمان هذا التيار الذي برز بشكل مؤثر خلال العقد الماضي، سواء داخل الولايات المتحدة، أم في “إسرائيل”.
ترامب ومع الأيام الأولى لتوليه سدّة الحكم في الولايات المتحدة، بدأ بإحاطة كرسيه الأبيض بصقور اليمين المتطرف المعروفين بالعداء لقضايا الشرق الأوسط والداعمين لكيان الاحتلال بكل قوة، وبالتالي هذا ربما ينبئ بمآلات السياسة الترامبية خلال السنوات الأربع المقبلة تجاه سوريا، فما هو التيار اليميني المتطرف في أمريكا وما علاقته بالتيار المتطرف في “إسرائيل” وكيف سيؤثر صعوده في سياسة أمريكا تجاه سوريا؟
أولاً- اليمين المتطرف في “إسرائيل”:
يضم التيارات الدينية داخل الحركة الصهيونية، وهذا التيار عرّاب المشروع الاستيطاني والداعم لإقامة دولة يهودية، ويرتكز على “الإيديولوجية التوراتية” التي تقوم على فكرة أساسها منح اليهود “الحق” في إقامة وطن قومي في فلسطين، وذلك بخلاف التيارات الدينية اليهودية الأخرى.
ويأخذ اليمين المتطرف في “إسرائيل” من المستوطنين الذين بلغ تعدادهم نحو المليون بالضفة والقدس قاعدة رئيسية له في الانتخابات، ويدعو إلى دعم وتكريس المشروع الصهيوني. وتتمثل أهم الحركات التي تشكل اللبنة الأساسية لقوة هذا التيار على: حركات (“غوش إيمونيم”، و”كاخ”، و”غوش”، و”تحيا”، و”تسوميت”، و”موليديت”).
يعد أحد العوامل الرئيسية التي أدت إلى نجاح “نتنياهو” هو “الصعود غير المسبوق لليمين المتطرف” في “إسرائيل”، بحسب تقرير نشره موقع “أكسيوس”.
وفي وقت سابق، كتبت صحيفة “هآرتس”، أن “إسرائيل على وشك أن تبدأ ثورة يمينية ودينية وسلطوية هدفها تدمير البنية التحتية الديمقراطية التي بنيت عليها الدولة… قد يكون هذا يوماً أسود في تاريخ إسرائيل”.
ثانياً- اليمين المتطرف والشعبوية الترامبية في الولايات المتحدة الأمريكية:
يعود تأسيس اليمين المتطرف في أمريكا إلى الحرب الأهلية بالنصف الثاني من القرن التاسع عشر التي انتهت بخسارة ولايات الجنوب وإلغاء منظومة العبودية، وبرز من تلك الخسارة الكبرى رد فعل عنيف تمثل في تشكيل منظمة (كو كلوكس كلان- KKK)، وصنفت هذه المنظمة حركة إرهابية عام 1871 بقانون من الكونغرس، ما أدى ذلك إلى إضعاف وتفكيك نسختها الأولى على مدى السنوات التالية.
وفي بداية القرن العشرين، ظهرت الحركة من جديد في ولايات الشمال كحركة وطنية تريد إعادة أمريكا “الأصلية” التي فُقدت بخسارة الحرب الأهلية، أي أمريكا بروتستانتية تتمحور حول السيادة البيضاء، وفي خمسينيات القرن العشرين، ظهرت نسختها الثالثة ضد حركة الحقوق المدنية للسود.
منذ التسعينيات من القرن الماضي، وخاصة منذ انتخاب الرئيس الأسبق باراك أوباما عام 2008، بدأ نفوذ هذا التيار يتصاعد داخل الحزب الجمهوري لأسباب عدة، منها تبني أوباما عدداً من السياسات الطموحة التي لا تتفق وأهداف الحركة، بالإضافة إلى كون أوباما أول رئيس أمريكي أسود، وتبني إدارته برامج وسياسات لتعزيز الحريات الجنسية والإنجابية وتحقيق المساواة والفرص المتكافئة بين الجنسين وبين المواطنين من أصول عرقية مختلفة.
ونتج عن هذه التطورات تشكّل تحالف بين بليونيرات النفط، ما أعطى دفعة قوية لليمين المتطرف في أمريكا، فتم ضخ مئات الملايين من الدولارات لدعم مرشحي التيار اليميني في الانتخابات النيابية وتمويل منظمات فكرية وسياسية تدعم هذا التيار، وهذا كان له دور مهم في صعود المرشح دونالد ترامب إلى الرئاسة عام 2016.
فوز ترامب شكل دفعاً إلى صعود نجم اليمين المتطرف في الولايات المتحدة عام 2016، وبذلك استطاع ترامب أن يوظف أهداف اليمين المتطرف في حملته الانتخابية من خلال التمُرد على القوالب الرسمية، وإطلاق التصريحات غير المُعتادة، والخروج عن البروتوكول، والمُراهنة على إحداث تغييرات جوهرية في طريقة تدبير الأمور ومعاينتها.
ثالثاً- تأثير اليمين الصهيوني المتطرف في الداخل الأمريكي:
إنّ دعم “إسرائيل” عاملاً استراتيجياً في السياسة الأمريكية يحدد مساره تغلغل اللوبي الصهيوني والحركات الصهيونية المتطرفة التي تمتلك الخبرة في إدارة وتوجيه الرأي العام لكسب الحملة الانتخابية وحسم نتائج الانتخابات لمن يدعمونه، وهذا بدا واضحاً عام 2016، وتأثيراته في انتخابات عام 2020، وحسمه انتخابات عام 2024 لصالح “الشعبوية الترامبية” الحاضنة للفكر اليميني المتطرف.
وتوجد داخل الولايات المتحدة الأمريكية أكثر من 15 منظمة صهيونية داعمة لليمين المتطرف وأبرزها: الأمريكيون المناصرون لـ “إسرائيل” (AFSI)، واللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة (AIPAC)، والكونغرس اليهودي الأمريكي (AJS)، والشراكة الأمريكية الإسرائيلية (AMPAL)، ورابطة الصهيوني بين الإصلاحيين في أمريكا (ARZA)، والاتحاد الصهيوني الأمريكي (AZF)، ومنظمة سندات “دولة إسرائيل” (IBO).
والوكالة اليهودية (JA)، والصندوق القومي اليهودي (JNF)، والمؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي (JINSA)، وصندوق “إسرائيل” الجديد (NIF)، والنداء الإسرائيلي المتحد (UIA)، والمنظمة الصهيونية العالمية (WZO)، ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى (President Conference) والمنظمة الصهيونية في أمريكا (ZOA).
إضافة إلى ذلك لا يمكن إغفال الدور الكبير الذي تتباه المسيحية الأصولية في تشكيل الجماعات الضاغطة ذات الصبغة الدينية، وأهم جماعاتها:
- المائدة المستديرة الدينية التي تأسست عام 1979، لدعوة أمريكا للتعاون الاستراتيجي مع “إسرائيل” ونقل سفارتها إلى القدس وفقاً لتعالم التوراة.
- السفارة المسيحية الدولية – القدس تأسست عام 1980 وتنفذ برنامجاً صهيونياً بإقامة الصلوات من أجل “إسرائيل”.
- مؤسسة جيل المعبد ويتركز هدفها على إنشاء المعبد في القدس بوصفه واحداً من آخر الإشارات التي تسبق العودة الثانية للمسيح؛ لذلك تجمع الأموال في أمريكا لإقامة المعبد مكان المسجد الأقصى.
- مؤتمر القيادة المسيحية الوطنية من أجل “إسرائيل” وتأسس عام 1980 بهدف توحيد “التنظيمات اليهودية” في أمريكا لتطوير جبهة موحدة من أجل “إسرائيل” في أمريكا.
- المصرف المسيحي الأمريكي من أجل “إسرائيل” وتكرّس هذه المنظمة نفسها لخدمة “إسرائيل” وسياساتها التهويدية.
ومن أبرز القضايا التي تظهر تأثير التيار اليميني المتطرف في الولايات المتحدة والتي تجسدت بـ (الشعبوية الترامبية)، هو توقيع ترامب في آذار 2019 إعلاناً اعترف بموجبه بـ”سيادة إسرائيل” على الجولان المحتل، وقال حينها في البيت الأبيض وإلى جانبه رئيس الوزراء “الإسرائيلي” بنيامين نتنياهو: “لقد أُجري التخطيط لهذا الأمر منذ فترة”، على حين وصف “نتنياهو” الاعتراف بـ”التاريخي”.
رابعاً- تأثير اليمين المتطرف في السياسة الأمريكية تجاه سوريا:
لا شك أنّ تنامي دور اليمين المتطرف داخل الولايات المتحدة الأمريكية سيكون له تأثير في السياسة الخارجية الأمريكية تجاه سوريا، وعند النظر في المرحلة الآنية أي بعد وصول ترامب إلى السلطة، يتضح أنّ الرئيس الأمريكي بدأ ينسج دائرة جديدة لا تتفق وأهدافها مع فكرة الانسحاب الأمريكي في سوريا، خاصة وأن المنطقة تعدها الولايات المتحدة و”إسرائيل” محط نفوذ لقوى لا تتفق معها كالوجود الروسي وكذلك الإيراني، وبالتالي بحسب ما كتبه الصحافي سركيس قصارجيان فإنّ ترامب بدأ بإحاطه نفسه بحلقة من الصقور الشباب قلدهم المناصب الحكومية الحساسة.
ويرى قصارجيان، أنّ ممن هم حول ترامب في الخارجية والدفاع والأمن القومي وممثليه في الأمم المتحدة جميعاً من الداعمين لـ”إسرائيل” ومعادين للصين، ومتحمسين لممارسة أقصى الضغوط على إيران، والمتشددين ضد الحكومة السورية، ومؤيدين لمشاريع منتدى الشرق الأوسط.
ويتضح من خلال قصارجيان أن السياسة الأمريكية تجاه سوريا قد تكون أكثر تشدداً خلال المرحلة المقبلة، خاصة وأن فترة حكم ترامب السابقة، شهدت أحداثاً أثرت بشكل في الملف السوري كفرض قانون قيصر، والاعتراف غير الشرعي بسيادة “إسرائيل” على هضبة الجولان السوري المحتل.
ويرى الباحث في الشؤون السياسية علي جديد في تصريح لــ”أثر” أنّ فوز ترامب للمرة الثانية له تأثير في نفوذ اليمين المتطرف داخل الولايات المتحدة الأمريكية، وأنّ عودة ترامب ليس فقط تعبيراً عن ضعف منافسته كامالا هاريس، بل تعبير أكثر عن تحولات حقيقية في المجتمع الأمريكي نتيجة أسباب عدة منها زيادة الهجرة، والأزمات الاقتصادية وهذا يؤدي إلى ارتفاع منسوب الخطاب الشعبوي داخل الولايات المتحدة الذي يملك ترامب أدوات التحكم فيه جيداً سواء على مستوى مواقع التواصل الاجتماعي أم وسائل الإعلام التقليدية.
ويرى جديد أنه إذا ترامب سيعمل لتحقيق برنامجه والذي يتعلق بما تحدث عنه “أمريكا أولاً” ماذا يعني ذلك؟ ببساطة تعزيز حضور اليمين المتطرف بأفكاره في مؤسسات السلطة الأمريكية على حساب ما يسمى الدولة العميقة؛ ولذلك ترامب أتى بصديقه ماسك لمحاصرة البيروقراطية في الإدارة الذي يعتقد إنها الحامل الأساسي للدولة العميقة.
وعن علاقة اليمين المتطرف الأمريكي مع اليمين المتطرف داخل الكيان، يتفق جديد مع قصارجيان في هذه النقطة، ويوضح أنه من الواضح اليوم أن فريق ترامب من الشباب الصقور يؤمنون بدولة الكيان الصهيوني ويرفعون شعارات أمريكا و”إسرائيل” تدافعان عن الديمقراطية في العالم؛ لذلك سنشاهد تناغماً كبيراً في التصريحات وهو ما يشير إلى ظروف صعبة ستشهده لأننا ممكن أن نشاهد محاولة لتحقيق نبوءة نهاية التاريخ.
أمّا عن سياسة ترامب تجاه سوريا في ظل التأثير الذي يحدث سواء من الداخل الأمريكي أم من الخارج أي “إسرائيل”، قال: “المتابع لأسماء فريق ترامب الجديد يدرك أن أغلبهم مواقفهم متشددة تجاه سوريا وتتفاوت بين مناهضة التطبيع مع الحكومة السورية إلى تطبيق عقوبات اقتصادية شديدة إلى تحقيق “دولة كردية” انفصالية”.
وأردف، “وبالوقت نفسه نشاهد اليوم خطاباً “إسرائيلياً” يتحدث عن الأقليات الكردية وبالتالي عودة لأفكار تقسيم منطقة من جديدة، نظرياً سنشهد أزمات عصيبة، ولكن، بحسب جديد، “عُرف عن ترامب حبه للصفقات وتحدث هو شخصياً أنه يحيط نفسه بالصقور لتمرير الصفقات ولذلك علينا الانتظار لنرى التطبيق العملي لسياساته”.
قصي أحمد المحمد