خاص|| أثر برس بات منحى التقارب السوري- التركي يأخذ مساراً جديداً على طريق اجتماعات رباعية وصولاً إلى ثنائية بين الجانبين السوري والتركي، وهو ما عبر عنه صراحة وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إذ أشار إلى أنه من المقرر أن تعقد بلاده اجتماعاً رباعياً يشمل كلاً من سوريا وتركيا والعراق وروسيا الشريك الرئيسي في عملية التقارب.
التصريحات الروسية والتي جاءت بعد خطاب الرئيس الأسد أمام البرلمان اعتبرتها أنقرة إشارة إيجابية لها، إذ لم تشترط دمشق انسحاب الجيش التركي من الأراضي السورية لبدء مسار المفاوضات، لكن المضامين والعناوين التي ركز عليها الرئيس الأسد تقوم على خطوات فعلية ووجود مرجعية حقيقة لنجاح مسار المبادرة القائمة، وهذا طرح عدداً من التساؤلات حول الآلية التقنية والسياسية للمفاوضات التي يجب أن تُحسم قبل لقاء الرئيسين السوري والتركي.
المحك التركي!
لا شك أن الإيجابية التي نظرت إليها أنقرة لخطاب الرئيس الأسد وما تلتها من تصريحات رسمية إيجابية، شكلت دفعاً جديداً في عملية التقارب المنشودة، لكنه في الحقيقة شكلت خريطة طريق تنفيذية وحقيقية لعملية التقارب.
يعتقد الكاتب غسان يوسف والباحث في الشؤون التركية أن ما أشار إليه الرئيس الأسد حول الانسحاب ليس شرطاً لبدء المفاوضات لا يعني غياب هذا البند في طريق المفاوضات بل بخلاف ذلك هدف المفاوضات الوصول إلى حل يكفل السيادة السورية لأراضيها وصولاً لعلاقة طبيعية بين البلدين، لافتاً إلى أن العلاقات الطبيعية لا تعني وجود الاحتلال التركي في الأراضي السورية.
وفي حديث خاص لـ”أثر برس” لفت الباحث يوسف إلى أن المرحلة المقبلة في مسار التقارب تضع القيادة التركية في عدد من القضايا على المحك، خاصة في الملفات ذات المرجعية بالقانون الدولي التي تكفل وحدة وسيادة الدول، وهو ما تتفهمه موسكو بشكل خاص من حيث وجهة نظر الدبلوماسية السورية.
“الجيش الوطني” و”قسد”
تختلف كل من دمشق وأنقرة في عدد من القضايا الجوهرية لكل منهما، الأمر الذي قد يعثر الاجتماعات، أو يطيل من عملية التفاوض التي ترعاها موسكو، وهي قضايا رئيسية لدمشق للقاء الرئيسين الأسد وأردوغان، إذ يرى الباحث والخبير في الشؤون التركية سركيس قصارجيان أن أحد أهم الملفات العالقة بين البلدين تقوم على نظرة أنقرة للمجموعات المسلحة التي تتبناها شمالاً ضمن إطار الجيش الوطني والفصائل المنضوية في هذا الإطار، وتراهم معارضة معتدلة يتوجب إشراكهم في العملية السياسية، بينما تصنفهم دمشق على أنهم مجموعات إرهابية مؤتمرة من قبل المخابرات التركية، ولديها معاييرها الخاصة حول من يشارك في العملية السياسية السورية.
وفي حديثه لـ”أثر برس” لفت قصارجيان إلى أنه من بين المسائل التي سيجري التباحث فيها قبيل اللقاء الثنائي يدور حول مصير “قسد”، إذ تتهم أنقرة دمشق أنها لم تحرك ساكناً في محاربة “قسد”، من دون أخذ الاعتبارات للدعم الأمريكي لـ”قسد” والتدخلات المباشرة عسكرياً في دعمهم، حتى تركيا نفسها، كثيراً ما أوقفت واشنطن هجماتها البرية الواسعة والتي استهدفت قوات “قسد”.
مكافحة “الإرهاب” واللاجئون
على الرغم أن ملف مكافحة “الإرهاب” قضية يتوافق عليها الجميع بخصوص محاربته، فإنها قضية جدلية لم ترسم مكوناتها بعد، إذ تعتبر إدلب المعقل الرئيسي للتنظيمات الإرهابية، وخزاناً يضم غالبية القيادات الإرهابية عالمياً وبجنسيات مختلفة، وتمتد الحدود التي تسيطر عليها هذه الجماعات إلى الحدود التركية، وعلى الرغم من تلك المعطيات لم تحدد أنقرة أي صيغة للتعامل أو محاربة هذه التنظيمات ومكافحتها، الأمر الذي نوه به غسان يوسف الباحث في الشؤون التركية.
الخبير يوسف أشار إلى أنه يجب أن يكون الموقف التركي واضحاً كفاية في ضرب هذه الجماعات والتنسيق المشترك مع سوريا في سبيل مكافحة “الإرهاب” بخطوات فعلية حقيقية وإيجاد حل حقيقي لمنطقة إدلب، كون ذلك يتطلب قراراً دولياً، ولم تر دمشق أي خطوة تنفيذية أو إشارة لمكافحة الأتراك لهم.
نقاط مشتركة
على الرغم من جملة الخلافات التي يجب البت بأمرها بين الجانبين السوري والتركي، فإن هناك رغبة مشتركة بطي التوتر السياسي والعسكري في المنطقة والإقليم، وبشكل عام تشير السياسة الإقليمية للدول المجاورة للبلدين أن المشاريع الاقتصادية لن تنجح من دون توطيد أسس الأمن والاستقرار، وهو ما أشار إليه الباحث في الشؤون التركية سركيس قصارجيان، لافتاً إلى أن أي عملية تقارب ستؤدي لاحقاً إلى تنمية اقتصادية حقيقية، وتأثيرات مالية وتجارية إيجابية في البلدين سيما في ظل الانهيار الاقتصادي السوري والتراجع في الاقتصاد التركي.
إطار المباحثات المرتقب
تشير التقديرات بحسب الباحث في الشأن التركي غسان يوسف إلى أنه ستُجرى اجتماعات على مستوى نواب وزراء خارجية لكل من روسيا وإيران وتركيا وسوريا، يلي ذلك على مستوى وزراء خارجية حتى تستكمل التفاهمات على البنود المتفق عليها كافة، منوهاً بأنه لن يجتمع الرئيسان قبل أن يتم اتفاق بشكل كامل على غالبية النقاط المطروحة في التقارب.
وعلى الرغم من تصريحات أنقرة وحماسها الكبير، فإن المتغيرات والمفاوضات التي سترعاها موسكو ستضع الأتراك على المحك في سبيل حسم القضايا الخلافية والتوافقات، والتي ربما تعلن روسيا بدء جولات هذه التفاهمات في صيغتها البدائية بالمدى القريب لا البعيد.
د. أحمد الكناني