تستمر وسائل الإعلام التركية بنشر تسريبات عن مسار التقارب السوري- التركي ومتسجداته من دون صدور أي إعلان رسمي من أي جهة رسمية معنية في المفاوضات يفيد بالتوصل إلى نتائج إيجابية، في حين تشير بعض التسريبات إلى وجود جديّة في المفاوضات قد تُفضي إلى نتائج إيجابية.
في هذا الصدد، نقلت صحيفة “الأخبار” اللبنانية عن مصادر سورية معارضة تأكيدها أن “أنقرة لا تزال مستمرة في السياسة نفسها التي اعتمدتها أخيراً حول سوريا، والتي تقضي بضرورة عودة العلاقات الطبيعية بين البلدين الجارين، موضحةً أن اللقاءات الأخيرة بين مسؤولين أتراك وبعض وجوه المعارضة السورية تضمّنت تأكيد أنقرة استمرارها في هذا المسار، ويعني ذلك، أن التصريحات المتشدّدة الأخيرة تأتي في سياق محاولة تحقيق أكبر مكاسب ممكنة من هذا المسار، حتى قبل انطلاقه، خصوصاً أن أنقرة واجهت تعثّراً ميدانياً كبيراً في أولى خطوات التفاهمات مع روسيا، بعد أن عجزت -حتى الآن- عن فتح وتأمين معبر صغير يصل مناطق سيطرة الفصائل بمناطق سيطرة الحكومة السورية (معبر أبو الزندين بريف حلب”.
بدوره، أشار الكاتب في صحيفة “حرييت” المقرب من دوائر الحكم في تركيا، عبد القادر سيلفي، في مقالة ترجمتها صحيفة “الشرق الأوسط” إلى أنه على الرغم من العقبات التي تعرقل مسار التقارب السوري- التركي لا يمكننا استبعاد عقد اجتماع بين الرئيس الأسد وأردوغان، إذ قال: “كل يوم هناك متغيرات جديدة، ولو سأل أحد وقبل بضعة سنوات: هل يمكن أن يجتمع أردوغان والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي؟، لكانت الإجابة “لا”، لكن أردوغان ذهب إلى القاهرة، وسيزور السيسي أنقرة يوم 4 أيلول المقبل”.
وتابع أن “إسرائيل على أبواب سوريا، وأن الحريق الذي يمتد إلى سوريا هو أكثر ما يقلق تركيا، وأن الظروف تجبر الزعيمين (أردوغان والأسد) على اللقاء؛ لأن خريطة الشرق الأوسط تجري إعادة تشكيلها، وأمريكا لم تنشر ثلث قواتها المسلحة في المنطقة من أجل أمن إسرائيل فقط”.
بينما عادت صحيفة “الخليج” في مقالة لها إلى تاريخ 28 حزيران الفائت عندما أكد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، أنه يرغب بإعادة العلاقات مع سوريا إلى ما كانت عليها في الماضي، معرباً عن حنينيه إلى العلاقات العائلية التي كانت تجمع عائلته مع عائلة الرئيس الأسد، إذ لفتت المقالة إلى أن “دمشق لم ترغب في الأشهر الماضية أن تبادل أنقرة الاندفاع نفسه، وأرادت التريث والنظر من أعلى، لتكون الصورة أوضح، بحيث تتمكن من المفاضلة بين المعطيات، لتصل إلى النتائج الراغبة فيها من دون أن تؤثر في خريطة التوازنات، سيما أن هناك لاعبين أساسيين في المعادلة السورية لابد أن يؤخذوا في الحسبان في أي اتفاق، وهو ما يفسر الرد السوري المتأخر على الدعوات التركية الحميمية التي لم تنجح في خطب ود دمشق، على الرغم منعزفها على المشاعر الوجدانية عبر التذكير باللقاءات العائلية بين قيادتي البلدين”.
وأشارت المقالة إلى أن “سوريا يبدو أنها تتعامل مع تركيا بشعرة معاوية، إذ إنها بعد أن وجدت تبدلاً وحدية في النبرة التركية، سيما بعد تصريحات وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، الذي أكد أن تركيا دولة قوية، وأنها تسعى للحوار لحاجة المنطقة إلى السلام، أرادت أن ترخي الحبل قليلاً، لإدراكها أن الوضع لا ينبغي أن يبقى متشدداً إلى حد بعيد، وأنها لابد من أن تكون على أهبة الاستعداد للقادم الجديد من واشنطن في تشرين الأول المقبل، خصوصاً أن له تأثيرات خطرة تتشاطر الشعور بها سوريا وتركيا، أبرزها الفراغ الذي سيخلفه الانسحاب الأمريكي، إن تم، في تلك المنطقة، التي توجد فيها خلايا نائمة لداعش، إلى جانب معضلة قسد التي، إن حاولت تجذير وجودها، فإنها ستشكل خطراً داهماً على دمشق وأنقرة معاً”.
وتأتي هذه التسريبات بعد ثلاثة أيام من تصريحات الرئيس الأسد التي أدلى بها أمام البرلمان السوري، وأشار فيها إلى أنه “مع كل يوم مضى دون تقدم كان الضرر يتراكم ليس على الجانب السوري فحسب بل على الجانب التركي أيضاً.. انطلقنا في تعاملنا مع هذه المبادرات من مبادئنا ومصالحنا التي لا تتعارض عادة بين الدول المتجاورة في حال كانت النيات غير مؤذية، فالسيادة والقانون الدولي بتوافقان مع مبادئ كل الأطراف الجادة في استعادة العلاقة، ومكافحة الإرهاب مصلحة مشتركة للطرفين”، وتابع “نحن لم نحتل أراضي بلد جار لننسحب، ولم ندعم الإرهاب كي نتوقف عن الدعم، والحل هو المصارحة وتحديد موقع الخلل لا المكابرة.. إذ كيف يمكن معالجة مشكلة لا نرى أسبابها الحقيقية، واستعادة العلاقة تتطلب أولاً إزالة الأسباب التي أدت إلى تدميرها ونحن لن نتنازل عن أي حق من حقوقنا”.
يشار إلى أن النشاط عاد إلى ملف التقارب السوري- التركي، في أيار الفائت عندما أعلن رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، وساطة عراقية بين الجانبين، وفي 28 حزيران أعرب أردوغان، عن رغبته بإعادة العلاقات إلى ما كانت عليه في الماضي، وفي 15 تموز الفائت قال الرئيس الأسد في تصريحات صحافية: “أول سؤال يجب أن نسأله لماذا خرجت العلاقات عن وضعها الطبيعي منذ ثلاثة عشر عاماً؟، لم نسمع أي مسؤول تركي يتحدث عن هذه النقطة بشكل صريح”، مضيفاً أن “الأمر ليس بحاجة إلى تكتكات وبهلوانيات سياسية ولا إعلامية، هذه العلاقة طبيعية وسنصل إليها، والأصدقاء يدعمون هذا الشيء”.