عملت محاسن ديب، في بلدها سوريا، في المحاسبة، أما بعد انتقالها إلى فرنسا، فقد كان عليها أن تعيد حساباتها، وتتعلم إضافة إلى اللغة والثقافة الفرنسية مهنة جديدة، لجأت هذه المرأة الستينية إلى المطبخ لمزاولة مهنة الطبخ في مطعم باريسي.
قبل سنوات من الآن لم تكن هذه السيدة السورية “64 عاماً”، والتي تبدو أصغر من سنها بعشرة أعوام، تتخيل أن يأتي يوم، تعمل فيه داخل مطعم باريسي.
بعد أن وصلت محاسن إلى فرنسا في 9 آذار 2013، طلبت تأشيرة للإقامة لمدة سنة واحدة، لاعتقادها أن الحرب في بلدها لن تدوم لأكثر من سنة، مرت سنوات أربع وهي لا تنتظر إلا شيئاً واحداً: ”أن يتوقف الصراع، وأن يعود كل الناس إلى بلادهم”، كما تقول بلغة فرنسية ضعيفة، لكنها صحيحة.
واجهت ديب في بداية الأمر تعقيدات وصعوبات كثيرة، فبانتظار إيجاد فرصة للعمل، استهلكت العائلة مدخراتها، ثم حصلت على المساعدة لمدة 3 أشهر، لكن هذه السيدة المستقلة، التي عملت طوال حياتها، لم تحتمل البقاء في المنزل دون عمل، “كنا بحاجة إلى المال لدفع الإيجار، وثمن الطعام، وكنا نحتاج المال لمساعدة ابننا الأصغر”، روت محاسن هذه الوقائع بصوت خافت، وكأنها لا تريد إزعاج السامعين.
هذه الأم التي صارت جدة منذ فترة، لم تنتظر كثيراً لتتعلم اللغة الفرنسية: “كنت على دراية ببعض قواعد هذه اللغة، فقد درست الفرنسية كلغة ثانية خلال دراستي في سوريا”.
لم تحظ محاسن بالعمل إلا بعد مرور سنة ونصف على مجيئها إلى فرنسا، حيث سمعت من ابنتها عن وجود طلب لوظيفة عمل كطباخة لفترة 35 ساعة في الأسبوع، في أحد المطاعم الفرنسية ويدعى (تروازييم كافيه).
لم تجد محاسن، التي لم تزاول هذه المهنة بتاتاً في حياتها، أية غرابة في التقدم لطلب العمل كطباخة في هذا المطعم، تقول:” في سوريا، خلال الأعياد، كنا نقيم الحفلات في بيوتنا، وكنا نستقبل أكثر من 40 شخصاً كل مرة، وكنت أقوم بإعداد الطعام للجميع بمفردي”، هذه المرأة التي كانت تجهل كلياً المأكولات الفرنسية، وتضيف: ”لقد أضفت لمسة سورية على الأطباق التي أحضرها في هذا المطعم”.
وبالفعل، كانت وجبات الطعام والحلوى المقدمة في هذا المطعم تمتاز بنكهاتها السورية بامتياز وتلقى إقبال واستحسان رواد المكان، يؤكد أحد الزبائن ”الطعام هنا دائما طيب”.
محاسن التي تعمل كل يوم من الثامنة والنصف صباحاً، حتى الثالثة والنصف بعد الظهر، وتؤكد أنها تحب عملها الجديد وتعترف قائلة: ”اشتقت إلى التكلم باللغة العربية.. الابتعاد عن الجذور قاس”، فيما تتمنى أن تنتهي الحرب وأن يعود الجميع إلى الديار.