يشير الاتفاق الذي تم الاعلان عنه مؤخراً بين أمريكا وتركيا وبعد الخلافات والتوترات التي حصلت ظاهرياً بين البلدين في سوريا، إلى مجموعة أحداث يمكن أن تلحق هذا الاتفاق، خصوصاً بعد الكشف عن وصول تعزيزات عسكرية تركية إلى المدينة ومحيطها، ومايثير التساؤلات أكثر هو إعلان قادة أحد فصائل المعارضة الموالية لتركيا أن الأخيرة لا تملك أي وجود لها في المدينة، فما الذي يدفع أنقرة للقبول بهذا الواقع؟ وإلى ماذا توجه أنظارها؟ وما مصير الفصائل الموالية لها وتلك المجموعات الموالية لأمريكا؟
صحيفة “الوطن” السورية أشارت إلى الحدث المفصلي الذي ربما كان السبب في التسريع بالإعلان عن هذا الاتفاق، فقالت:
“يمكن اعتبار التصريح الذي جاء على لسان الرئيس بشار الأسد في مقابلته مع قناة “روسيا اليوم” التي بثته يوم الأربعاء الماضي إيذاناً مبكراً بالقفزة التالية التي سيقوم بها الجيش السوري ما بعد معركته التي توجه إليها في الجنوب، فقد جاء على لسان الرئيس الأسد قوله: سنلجأ إلى تحرير مناطق سيطرة قوات سورية الديموقراطية المدعومة أميركياً بالقوة سواء بوجود الأميركيين أم من دون وجودهم، المؤكد هو أن الأكراد كانوا قد أخطؤوا القراءة في السابق، والراجح هو أنهم سيخطئونها في اللاحق.. فواشنطن لن تخوض حرباً لأجلهم وإذا ما كان الأكراد قد استكانوا عند قناعة تقول إن الأميركيين قد اختبروا في السابق ونتيجة الاختبار كانت هي أنهم فضلوا الأكراد على الأتراك، فإن تلك الاستكانة كارثية وفي السياسة لا يمكن لك أن تعبر النهر مرتين، ومن المؤكد أن كل هذا الشد الأميركي سيتغير جذرياً لحظة انطلاق الطلقة الأولى في الحرب المقبلة في الشرق”.
كما اتفقت صحيفة “القدس العربي” مع “الوطن” حول أن الأكراد سيكونون ضحية، لكنها سلطت الضوء على زوايا أخرى، حيث نشرت في صفحاتها:
“من الواضح أن تركيا تعتبر هذا الاتفاق انتصاراً استراتيجياً لها، يعزز وجودها العسكري في عمق الأراضي الحدودية مع سوريا بصفة إجمالية، وعلى امتداد المزيد من المناطق ذات الأغلبية الكردية بصفة محددة.. ويتلاقى الاتفاق مع خريطة ميدانية أخرى سبق أن رسمتها تركيا في عملية “درع الفرات”، وهو أخيراً اتفاق يمنح أنقرة ورقة قوة إضافية حين يأزف زمن التفاوض على اقتسام الكعكة بين مختلف القوى الدولية المتطاحنة في سوريا، وليس غريباً بالتالي أن يتحمس جاويش أوغلو للاتفاق فيلوح بأنه يمكن أن يطبق في مناطق أخرى من سوريا، أي تلك التي تسيطر عليها قوات سوريا الديمقراطية.. بذلك فإن القوى الكردية في سوريا قد تكون تلقت ضربة غدر جديدة من الحليف الأمريكي تضاف إلى سابقة عفرين، وقبلها تل رفعت، في انتظار مواقع خذلان أخرى محتملة يحتاج الأكراد إلى تأمل دروسها بعمق”.
أما صحيفة “نيزافيستيا غازيتا” الروسية فتناولت الموضوع باستخدام طرف ثالث، فورد فيها:
“اجتمع شيوخ عشرين من عشائر البدو في ريف حلب والرقة والحسكة في بلدة دير حافر، وخلال الاجتماع عبّر الشيوخ العرب عن رأي مشترك مفاده أن جميع المتدخلين الأجانب وفي مقدمتهم الولايات المتحدة يجب أن يغادروا الأرض السورية.. وسائل الإعلام العربية، قالت، إن التشكيل الجديد سيقاتل ضد قوات سوريا الديمقراطية والقوات الأمريكية في المناطق الشرقية من البلاد.. ولم يكن من الممكن عقد اجتماع للشيوخ البدو من دون علم الرياض، القرار الذي اتخذه رؤساء العشائر، يشير بشكل غير مباشر إلى أن المملكة العربية السعودية بدأت تتحرك بطريقة ما ضد الولايات المتحدة والتحالف في سوريا”.
بعد خذلان أمريكا عدة مرات لجميع حلفاءها في سوريا، يثير الاستغراب من قبولها للطلب التركي بإخراج الأكراد من منبج، لكن يبدو من جهة أخرى أن هذا الاتفاق هو واجهة ما لتحقيق أهداف أخرى، لأمريكا وتركيا معاً، وإلا فما الذي يبرر قبول أنقرة أن لن يكون لها أي وجود في المدينة وفي الوقت ذاته تبدأ أمريكا بدوريات استطلاعية في المدينة وما حولها، أما السؤال الأهم هو ماذا سيكون مصير الأكراد الذين خذلتهم أمريكا؟