أثر برس

لماذا تدهورت العلاقات بين تركيا وأمريكا.. وهل سنشهد ثورة دولية ضد أمريكا؟

by Athr Press R

 تقع تركيا في نقطة ترتبط بأوروبا غرباً وبآسيا شرقاً والشرق الأوسط جنوباً وروسيا شمالاً، أي أن ذلك الموقع الحساس جعلها تصبح حليف مرغوب به للقوى السياسية والعسكرية العالمية.

أول من استفاد من هذا الموقع المؤثر هي الولايات المتحدة الأمريكية التي لا تتوقف عن بناء القواعد العسكرية في العالم لزيادة هيمنتها الدولية، فعلى مدار العقود السابقة، حظيت العلاقة بين تركيا وأمريكا بصورة من التحالف في أغلب صراعات الشرق الأوسط، وتحولت معها أنقرة إلى حليف استراتيجي مهم لا بديل عنه بالنسبة للجانب الأمريكي، يُنظر له بقدر من الاهتمام من جانب واشنطن.

ولم يتخبط هذا التحالف سوى في عام 1974 أيام حرب قبرص على خلفية اختلاف مواقفهما، مما أدى إلى حصول حظرٍ أمريكي على توريد الأسلحة إلى تركيا، ومرت العلاقات بمرحلة جمود حوالي 5 سنين، لتعود بعد ذلك المياه إلى مجاريها لحين فرض العقوبات الأمريكية الاقتصادية على تركيا قبل أيام.

إذ فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات على وزيري العدل والداخلية التركيين على خلفية استمرار احتجاز أنقرة القس الأمريكي أندرو برونسون، الذي تتهمه بدعم “حركة فتح الله غولن” المحظورة في تركيا، وهو الإجراء الذي قوبل من الجانب التركي برد فعل عنيف، تُبع بقرار مماثل بفرض عقوبات مماثلة بتجميد أي أصول في تركيا لوزيري الداخلية والعدل الأمريكيين، كما بات معروفاً.

إلا أن العلاقات السياسية والاقتصادية التي بدأت بالتدهور بين البلدين لا تستند على قضية “عبدالله غولن” المقيم في الولايات المتحدة منذ أكثر من عشرين عام ولا بشأن القس الذي ألقي القبض عيه قبل عامين، وإنما بدأ الخلاف عندما أسقطت تركيا الطائرة الروسية عام 2015.

فعندما بدأ الوجود العسكري الروسي في سوريا عام 2015 بأسلوب استهدف المصالح التركية في الشمال السوري، حاولت تركيا وضع حد للهمينة الروسية عبر إسقاط مقاتلة روسية زعمت تركيا حينها إنها دخلت المجال الجوي الروسي مستندة على دعم متوقع من حلف “الناتو” والولايات المتحدة إلا أن الآخرين تركا تركيا وحيدة في تلك الفترة ولم يسانداها لا عسكرياً ولا سياسياً لتواجه بمفردها عقوبات اقتصادية روسية أثرت بشكل فاعل على تركيا وكادت أن تتطور إلى مواجهة عسكرية.

حنكة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مكنته من قراءة المشهد بشكل صحيح ليقلب التباعد الحاصل مع تركيا إلى تقارب مكّن روسيا أكثر في سوريا وساعدها على سحب بساطة التفاوضات السياسية من يد الولايات المتحدة المتمثلة بمؤتمر جنيف، إلى مؤتمر أستانة.

ذلك التقارب الذي استثمره بوتين بدأ شيئأ فشيئاً بالتحول إلى تحالف، إذ قام بوتين بالاتصال بنظيره التركي في أعقاب محاولة الانقلاب الفاشلة، متمنياً له الخير، وذلك على خلاف أغلب مواقف الدول الغربية وأمريكا التي لم تحسم موقفها مما يحدث حتى الساعات الأخيرة، وجاء ذلك قبل تمرير بعض المصالح التركية التي لا تروق للولايات المتحدة كمعركة “غصن الزيتون” وغيرها من القضايا المرتبطة بملف الأكراد إلى أن وصلت الأمور إلى حدود توريد منظومات دفاع جوية روسية بعدما رفضت واشنطن تزويدها بأنظمة دفاع صاروخية من نوع “باتريوت” وبناء مفاعلات نووية.

وكان لهذا التحرك التركي نحو روسيا، خصم أمريكا التاريخي، صدى واسع داخل دوائر صنع القرار في واشنطن التي رأت هذا الأمر على أنه انحراف للتقاليد الراسخة لهذا التحالف بين الدولتين، في حين كانت روسيا تكسب علاقات متميزة مع هذه الدولة التي تحتل موقع جيواستراتيجي كما ذكرنا في المقدمة، بالإضافة إلى كونها عضو في حلف “الناتو” العدو الحي لروسيا من الحرب العالمية.

خذلان أمريكا لتركيا في الكثير من القضايا سواءً كان إسقاط الطائرة الروسية أو في دعمها المستمر للأكراد، دفع تركيا للخروج بشكل شبه كامل عن السياسات الأمريكية، إذ ساعد المصرف الحكومي التركي إيران، دون اعتبار للعقوبات الأمريكية ضد إيران، حيث سمح لإيران بضخ مليارات اليوروهات من عائدات المحروقات في النظام المصرفي الدولي مقابل الذهب عبر البنك التركي الحكومي باعتباره واجهة للسلطات الإيرانية، وذلك بعلم من الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

كل تلك التطورات دفعت الولايات المتحدة لفرض عقوبات اقتصادية على الحكومة التركية بعدما أصبحت تسير بطريق لا يتناسب مع الخطوط الأمريكية، فمن المؤكد أن موضوع القس لن يؤدي إلى تناسي مصالح دولية وفرض عقوبات بهذا الشكل، فكل العقوبات الاقتصادية الأمريكية لا تستند على الأسباب الظاهرية التي تتحدث عنها كما هو الوضع في إيران.

اللهجة التصعيدية الأمريكية تجاه تركيا تقابلها الأخيرة بالمثل حيث وصلت إلى حدود حديث تركيا عن حلفاء جدد، في إشارة إلى إيران وروسيا والصين، وفي حال استمر هذا التصعيد فقد نشهد تغيير في الخارطة السياسية في المنطقة، إذ باتت الولايات المتحدة تفرض عقوبات اقتصادة على تركيا، وبدأت حصاراً خانقاً ضد إيران، وحُظر التّعامل على الروبل، العملة الروسيّة، وشدّدت العُقوبات على كوريا الشماليّة، وتستعِد لفَرض رسوم جمركيّة على الصّادرات الصينيّة إليها قد تَصِل إلى 400 مليار دولار في الأَشهر المُقبِلة، وأُخرى على نظيراتها الأُوروبيّة.

فلو فرضنا جدلاً بأن تلك العقوبات الاقتصادية مدروسة التبعات وستصب في مصلحة الاقتصاد الأمريكي، لايمكن لأحد أن يؤكد أنها لن تخرج بتحالفات سياسية واقتصادية للدول المعادية للحكومة الأمريكية التي باتت كثيرة وتملك قسم مهم من الاقتصاد العالمي، فهل سنشد ثورة دولية ضد الحاكم الفاسد للعالم؟

اقرأ أيضاً