خاص || أثر برس
اعتبرت عملية تهريب الآثار السورية واحدة من مصادر تمويل الفصائل المسلحة والتنظيمات التي ظهرت خلال فترة الحرب الدائرة في البلاد، وبرغم أن قرارات مجلس الأمن الخاصة بتجفيف مصادر التمويل حرّمت التعامل مع كل من “داعش” و”النصرة” في أي عملية تجارية، إلا أن هذه القرارات ظلت حبراً على ورق، لكون تجار السوق السوداء كانوا يعملون داخل الأراضي السورية بحماية من الحكومة التركية وحكومة إقليم “كردستان العراق”، اللذين سهلا عمليات التهريب إلى الأسواق الأوروبية.
“داعش” استعان بـ “خبراء أجانب”
خلال صيف العام 2015 أدخل تنظيم “داعش” عدداً كبيراً من السيارات إلى عدد من التلال الواقعة بريف دير الزور الغربي، من بينها تلتي “الجزرات – العادي” لتبدأ عمليات الحفر العشوائي في هذين التلين مع فرض طوق عسكري حولهما يمنع المدنيين من الاقتراب، كان التوجس والروايات المختلفة حول ما يفعله تنظيم “داعش” في المنطقة سمة عامة، إلى أن بدأ التنظيم بتشغيل مجموعة من شبان القرى القريبة في أعمال الحفر.
ويقول “مازن” في حديثه لـ “أثر برس”، أن من بين الأشخاص الذين كانوا يتواجدون بين مسلحي “داعش” في التلتين، شخصيات أجنبية لم تكن هيئتها كبقية مسلحي التنظيم، إذ لا لحى طويلة ولا “دشاشة أفغانية”، وكانت عمليات الحفر تتم بسرعة للبحث عن الآثار في التلتين، وما إن يتم إيجاد أي قطعة حتى يتم عرضها على الخبراء قبل أن توضع في صناديق تنقل لاحقاً إلى مدينة الرقة التي كانت المعقل الأساسي لـ”داعش” في سوريا حينها.
من غير المعروف ما هو عمر الآثار التي استخرجها “داعش” من تلتي “العادي – الجزرات” تحديداً، فهذين التلين لم يكونا ضمن خارطة المواقع الأثرية المعروفة في سوريا، ولم يكن أي من الشبان الذين أجبروا على العمل في الحفر على دراية بما يحدث، سوى إنهم يقومون بالتنقيب عن الآثار في عملية استمرت حوالي 6 أشهر، و”الأجانب” كانوا يزورون الموقعين بمعدل نصف شهري تقريباً، وبحسب ما كان مسلحة التنظيم الذين يرافقونهم، فقد كان هؤلاء يعرفون باسم “الخبراء”.
وتشير تقارير إعلامية متعددة، إلى أن تنظيم “داعش” هرب كميات ضخمة من الآثار السورية إلى أوروبا عبر الأراضي التركية وإقليم شمال العراق، ناهيك عن التدمير الكبير والمتعمد للمدن الأثرية بعد نهبها بما يمكن الاتجار به في السوق السوداء.
قواعد أمريكية فوق الآثار
حين سيطرت “قوات سورية الديمقراطية” على أراضي المحافظات الشرقية، عملت على تطويق المناطق الأثرية، وبحسب بعض المعلومات التي حصل عليها “أثر برس”، فإن “تل عجاجة” الواقع في ريف الحسكة الجنوبي ما يزال يشهد عمليات تنقيب مستمرة من قبل أشخاص يتبعون لـ “الوحدات الكردية” في عملية تتم ليلاً، ليتحول المكان إلى “منطقة مهجورة” صباحا، لكن اللافت في المناطق الأثرية التي سيطرت عليها “قسد”، كانت منطقة “تل بيدر”، التي تحولت منذ دخول القوات الأمريكية إلى “قاعدة عسكرية” ومعسكر للتدريب.
القاعدة مقامة فوق مدينة أثرية كاملة تقع في الريف الغربي للمحافظة، تقسم إلى ثلاث مناطق لم يكن مكتشفاً منها بعد إلا منطقة واحدة قبل بداية الحرب السورية، وجاءت عملية “توسيع القاعدة” في تل بيدر لتتحول في جزء منها إلى مهبط للمروحيات القتالية الأمريكية، لكن مصادر كردية تفضل عدم الكشف عن هويتها، تؤكد في حديثها لـ “أثر برس” أن عملية التنقيب عن الآثار لم تتوقف طوال السنتين الماضيتين، وكل ما يتم العثور عليه ينقل إلى مدينة “عين العرب” في ريف حلب الشمالي الشرقي.
عملية الحفر والتنقيب العشوائي عن الآثار، تشمل أيضاً مجموعة من التلال التي تسيطر عليها “قسد” في ريف محافظة الحسكة الشمالي والشمالي الشرقي، فإلى الشرق من منطقة “تل براك” تقع مجموعة من التلال تعرف باسم “قبور محمد – ثلاث تلول – تل أبو علي”، تتم فيها عمليات الحفر دون السماح للمدنيين بالاقتراب من المنطقة، كما تؤكد مصادر أهلية في مدينة “المالكية”، إن البحث عن الآثار بات مهنة للبعض في محيط “الجسر الروماني” وبحيرة “عين ديوار” القريبة من الحدود مع العراق.
في الهوامش..
تجدر الإشارة هنا، إلى أنه في شهر آذار الماضي، عثرت “قسد” على لوحات فسيسفائية ضخمة في كل من “قرية الشيوخ” و الطرف الغربي من مدينة “منبج” في ريف حلب الشمالي الشرقي، ونقلت هذه اللوحات إلى مدينة “عين العرب” أيضاً، وما يزال مصيرها مجهولاً، كما عثر على مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية في محيط مدينة “البصيرة” في ريف دير الزور الشمالي الشرقي، وكانت “هيئة الآثار” التابعة لـ “الإدارة الذاتية” المعلنة من قبل “قسد” قد أكدت سابقا أن الآثار المكتشفة يتم وضعها في مستودعات خاصة بهدف الحفاظ عليها.
محمود عبد اللطيف – المنطقة الشرقية