خاص || أثر برس
تجميع للمتشددين
تحول “مخيم الهول” إلى “عش للدبابير” إن صح التعبير، بعد العدد الضخم الذي نُقل إليه من ريف دير الزور الجنوبي الشرقي، من مسلحي “داعش” وعوائلهم، إذ بات عدد سكان المخيم حوالي 63500 ألف شخص، غالبيتهم من المرتبطين بتنظيم “داعش”، ومع ازدياد الحاجة إلى موارد للإغاثة، لا يبدو أن تهديد “قوات سوريا الديمقراطية” بإطلاق سراح مسلحي “داعش” وعوائلهم مسألة ضغط للحصول على دعم أوروبي وأممي أكبر في إعالة هؤلاء، فالضغط على الحكومات الأوروبية بات يأخذ أكثر من شكل خلال المرحلة الماضية.
في الأسبوع الماضي، حولت “قوات سوريا الديمقراطية” المخيم المقام بالقرب من مدينة “المالكية”، إلى مخيم خاص بمسلحي “داعش” من الأوروبيين، من ثم بدأت بنقل النساء اللواتي يحملن جنسيات دول حلف شمال الأطلسي “ناتو”، إلى مدينة عين العرب التي تعد المعقل الأساس لـ “الوحدات الكردية”، وذلك بحجة التحقيق معهن، مع العلم أن كل من خرج من ريف دير الزور الجنوبي الشرقي خضعوا للتحقيق من قبل القوات الأمريكية في القاعدة غير الشرعية التي تتخذها في حقل العمر النفطي بريف دير الزور الشمالي.
يقدر عدد الأوروبيين المرتبطين بتنظيم “داعش” بحوالي 1500 رجل، يضاف إليهم عدد مماثل من النساء، فيما يقدر عدد الأطفال الذين أنجبوا خلال فترة وجود ذويهم في الأراضي السورية بطريقة غير شرعية بحوالي 3000 طفل، وهذه التقديرات الأولية حصل عليها مراسل “أثر برس” من مصدر في منظمة الصحة العالمية رفض الكشف عن هويته، ومن اللافت أن “قوات سوريا الديمقراطية”، أهملت هذا الملف طيلة فترة تطبيق الاتفاقيات المتتالية مع تنظيم “داعش”، والتي استسلم من خلالها العدد الأكبر من مسلحيه على الرغم من تمسكهم بعقائد التنظيم التكفيرية، وحلم إنشاء “دولة الخلافة” التي أرداها الزعيم المختفي للتنظيم “أبو بكر البغدادي”.
رسائل واشنطن القاسية
سمحت “قوات سورية الديمقراطية” لعدد من وسائل الإعلام الدولية بإجراء لقاءات مع مسلحي “داعش” بما في ذلك النساء منهم، وإن كانت هذه الوسائل منتقاة بعناية من قبل “قسد” ومن خلفها “التحالف الأمريكي”، فإن المطلوب هو إيصال رسائل قاسية إلى الدول الأوروبية بطريقة غير مباشرة من قبل الإدارة الأمريكية، الغرض منها إحداث نوع من الذعر الشعبي في الشارع الأوروبي من احتمالية عودة المتشددين إلى دولهم الأم، وإن كانت الدول الغربية لا تبدي أي رد فعل لجهة نقل مواطنيها من المخيمات التي تسيطر عليها “قوات سوريا الديمقراطية” في “الهول – المالكية – الصور”، إضافة إلى المعتقلات الأمريكية، فإنها لن تقدر على البقاء ضمن هذه الحالة السلبية، وسيكون لازماً عليها خلال المرحلة القادمة المفاضلة بين استعادة مواطنيها، أو الدخول في تمويل المخيمات التي يتواجدون فيها من جهة، والرضوخ للطلب الأمريكي بتشكيل “قوة مراقبة” مشتركة من حلف شمال الأطلسي بما يملأ الفراغ في المنطقة الشرقية في حال انسحب الأمريكيون من سورية.
توريط أوروبا بالدخول العسكري إلى الشرق السوري، سيكون لتحقيق الاستراتيجية الأمريكية في إنشاء “المنطقة الآمنة” ما بين سورية وتركيا وفقاً لما تراه واشنطن، وبما يؤثر سلباً على إمكانية إقامة أي حوار بين دمشق وما يعرف بـ”مجلس سوريا الديمقراطية” من جهة، إضافة إلى إبقاء الطرق التي تربط ما بين سورية والعراق مقطوعة، وهذا ما يجعل “إسرائيل” مطمئنة بالإبقاء على الطرق البرّية مقطوعة بين دمشق والأراضي الإيرانية، فتل أبيب تتخوف من ربط “طهران – بيروت” بطرق برّية، كما أن ضمان استمرارية تدفق عائدات تهريب النفط السوري إلى الخزينة الأمريكية مقابل حصول “قوات سوريا الديمقراطية” على الدعم العسكري، يحقق لإدارة ترامب الجدوى الاقتصادية المرجوة من الملف السوري دون تكاليف باهظة.
حرب جديدة
الإنزالات الجوية المتكررة التي تنفذها القوات الأمريكية في أكثر من منطقة من محافظات المنطقة الشرقية “الحسكة – دير الزور – الرقة”، بهدف إلقاء القبض على خلايا نائمة تابعة لتنظيم “داعش”، تؤكد أن التنظيم لم ينته إلا بالشكل الجغرافي فقط، بمعنى أن قدرة التنظيم على تنفيذ علميات أمنية ضد “قسد” مازالت عالية، ومنها الهجوم الأخير لمجموعة من “داعش” على حاجز لقسد بالقرب من”كوع الخاشع” شرق بلدة الصور، في ريف دير الزور.
يضاف للإنزالات الأمريكية، حملات المداهمة المتكررة التي تنفذها “قسد” في ريف دير الزور لتعتقل أعدادا كبيرة بحجة الانتماء إلى “داعش”، على الرغم من تأكيد المصادر الأهلية أن غالبية المعتقلين لم يسبق لهم القتال ضمن أي تشكيل مسلح منذ بداية الأزمة، وهذا يعني أن حرب حقيقية سيبقى بابها مفتوحاً على مصراعيه، ما بين “قسد”، والخلايا النائمة التابعة لتنظيم “داعش”، والتي عادة ما تعمد إلى تنفيذ عمليات “الذئاب المنفردة”، والتي تمثلت خلال الأسبوع الأخير من الشهر الماضي بعمليتين نفذهما انتحاريان في استهداف اجتماعين لـ “الآسايش” مع من يطلق عليه تسمية “وجهاء العشائر” في كل من قريتي “تل خابور – الكرامة” الواقعتين إلى الشرق من مدينة الرقة.
كما تحاول الإدارة الأمريكية أخذ المنطقة الشرقية إلى شكلين من الحروب، الأول في مستوى سياسي على الرغم من الشكل العسكري له، إذ ستدخل دمشق في تعقيدات لم تكن تنتظرها من خلال إدخال دول حلف الشمال الأطلسي التي قد تتجاوز القانون الدولي إذا ما أرادت اتخاذ القرار، أما الشكل الثاني فإن واشنطن تذهب بالمنطقة الشرقية نحو إشعال حرب داخلية ما بين “قسد” والمدنيين، فكل مدني لا ينتسب إلى صفوفها سيكون متهماً في أي وقت بالانتماء إلى “داعش”.
محمود عبد اللطيف