خاص|| أثر برس مع ارتفاع المستوى العام للتقارب التركي مع سوريا، تزداد حدة التوترات الحاصلة شمالاً خاصة بعد عدم نجاح افتتاح معبر أبو الزندين مرات عدة، والتعرض للسيارات العابرة من خلاله من قبل فصائل “الجيش الوطني” التابع لأنقرة، إذ اندلعت موجة العنف الأولى في حزيران 2024 بعد أن شنت مجموعة مسلحة هجوماً على المعبر ما أدى لإغلاقه بعد تدمير مرافقه، بينما اندلعت مرة أخرى احتجاجات عنيفة لفصائل تابعة لأنقرة بعد فتح المعبر تجريبياً في آب 2024 ما تسبب باندلاع مناوشات مسلحة مع الجيش التركي، أدت إلى مقتل عدد من أفراد هذه الفصائل.
وعلى الرغم من ذلك يبدو أن السيناريو يعيد نفسه من جديد، إذ هددت فصائل مسلحة متنفذة في منطقة الباب بريف حلب من خطورة افتتاح المعبر، بينما سقطت عليه قذاف مجهولة المصدر مؤخراً سعياً لإغلاقه، ونصبت خيمة احتجاجية تعبيراً عن رفضهم لفتحه، ما يشير لتعقد الموقف التركي بقدرته على ضبط الفصائل شمالاً.
تركيا تلوح بالعصا شمالاً
مع ازدياد الحرج التركي أمام الوساطة الروسية في التقارب التركي –السوري تعهدت أنقرة بفتح معبر أبو الزندين، وطريق M4، ومعبر ترمبة، في الفترة الواقعة ما بين شهر أيلول حتى بداية تشرين الثاني كحد أقصى، مع إمكانية استخدام القوة العسكرية في حال لم تستجب هذه الفصائل للأوامر التركية.
يرى الكاتب والمختص في شؤون الجماعات الإرهابية عمر رحمون، أن الأتراك يمكن أن يستخدموا القوة العسكرية ضد فصائل “الجيش الوطني” في حال لم تستجب لأوامرها، في إطار بادرة حسن نية تقدمها لموسكو، وذلك من أجل تحسين ظروف المفاوضات والأجواء قبل عقد اللقاء الرباعي المفترض.
رحمون وفي حديث خاص لـ”أثر برس” أشار إلى أنه ثمة خلافات حاصلة بين فصائل “الجيش الوطني” من جهة والاستخبارات التركية التي تدير هؤلاء من جهة أخرى، إذ ترى هذه الفصائل نفسها تواجه اتفاقاً اقتصادياً بين تركيا وسوريا، من الممكن أن يتطور لتعاون سياسي وعسكري، لافتاً إلى أن هناك أطرافاً غربية لديها الرغبة بتعطيل افتتاح معبر أبو الزندين، كونه يفتح الباب أمام كسر الحصار ولو بشكل غير مباشر عن سوريا.
محاولة احتواء تركية:
تشير مصادر رسمية في ما يسمى “الحكومة الموقتة” إلى أنه في مطلع الشهر الجاري عُقد اجتماع موسع لكيانات المعارضة من قادة الفصائل التابعة لما يسمى بـ “الجيش الوطني” والائتلاف المعارض” و”الحكومة الموقتة” و”هيئة التفاوض” ومجلس القبائل والعشائر، وذلك في مطار غازي عنتاب في تركيا برعاية من الاستخبارات التركية، وذلك لبحث الخطوات الخاصة بفتح معبر أبو الزندين من دون أي مشكلات.
وفي نهاية الاجتماع أكدت جميع الكيانات المعارضة موافقتها على فتح المعبر من دون أي اضطرابات لما سيجنيه من عوائد اقتصادية على المناطق التي يسيطرون عليها شمالاً، بحسب بيان أصدرته ما يسمى “الحكومة المؤقتة”، في إشارة إلى أن الاستخبارات التركية تبحث في السبل كلها لاحتواء المواقف، وتجنباً للحرج أمام روسيا الوسيط وراع التقارب التركي-السوري.
وفي هذا السياق لا يعتقد الكاتب والباحث السياسي مهند الحاج علي، أن افتتاح المعبر سيكون ممكناً نظراً إلى وجود خلافات حادة بين مختلف الأطراف التي تسيطر على المعبر خاصة بعد الاجتماع الأخير في غازي عنتاب، إذ تتهم الأطراف بعضها بالاختلاسات، وسرقة الأموال الخاصة بالمعابر.
“الجولاني” جوكر أمريكي لتعطيل المعبر
يرى الباحث والكاتب السياسي مهند الحاج علي، أن فكرة معبر أبو الزندين قائمة على الاستثمار والمنفعة الاقتصادية، وهو ما لا ترغب واشنطن بتنفيذه لما سيؤثر إيجاباً في الداخل السوري، وعليه من الواضح جداً استخدامها لعناصر “هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)” لإحداث أي خروقات أو هجوم يفضي إلى تعطيل افتتاح معبر أبو الزندين، الأمر الذي يفسر سقوط قذائف مجهولة المصدر على المعبر وإغلاقه.
وفي حديث خاص لـ”أثر برس” أشار الحاج علي إلى أن قائد “الهيئة” المدعو “أبو محمد الجولاني” بات رجل واشنطن الأول في ظل التقارب التركي-السوري، إذ باتت تعتقد “الهيئة” أنها ملف غير مطروح في بنود التفاوض السوري- التركي، الأمر الذي يدفعها إلى واشنطن معارضة التقارب، سيما وأنها استخدمت هذه التنظيمات في الكثير من الأجندة الخاصة بها.
ومع تزايد الإطلالات الخاصة لـ”الجولاني” في الأوساط العامة بمحافظة إدلب يرجّح الخبير في شؤون لجماعات الإرهابية عمر رحمون أن تشن “الهيئة” هجوماً كبيراً على نقاط الجيش السوري، وهذا الهجوم من شأنه أن يتسبب باندلاع معارك قاسية، بهدف فرض نفسها في شروط التقارب أو تعطيل عملية التفاوض، لافتاً إلى الهجمات الأخيرة التي نفذتها “الهيئة” مؤخراً على نقاط عسكرية بريف حلب الغربي بالقرب من الفوج 46 التابع للجيش السوري.
وتشير التقديرات إلى أن التطورات الأخيرة الخاصة بمسار التقارب على الرغم من نضجها، فإنه ثمة أطراف خارجية غربية، وأمريكية تسعى لتسخير أدواتها لتعطيل أي خطوة في التقارب التركي-السوري، خاصة وأنها تجري في إطار المساعي الروسية لتحقيق التقاربات الإقليمية في المنطقة، وهذا يجعل واشنطن تعتبر ذلك نوعاً من التوسع الروسي في التفاهمات السياسية في الإقليم.
د. أحمد الكناني