وسط التراجع في حدة الاستهدافات، بعد انتهاء محادثات أستانة في جولتها الأخيرة، تستمر التصريحات التركية التي تؤكد نيّة أنقرة بشن عملية عسكرية برية، وتنفيذ مشروع “المنطقة الآمنة” على الحدود السورية- التركية والتي تمتد مسافة 30 كم إلى عمق الأراضي السورية، وسط تسريبات تنشرها وسائل الإعلام التركية تفيد بأن العملية تبدأ خلال أيام قليلة، وذلك في الوقت الذي يجري فيه الإعلان عن محادثات روسية- تركية بهذا الخصوص.
تجمع التحليلات وجود أن السياسة التي انتهجتها “الوحدات الكردية” مؤخراً ووضع بيضها كله في السلّة الأمريكية، أقنع الجانبين الروسي والإيراني بخيار مواجهتهم عسكرياً.
وفي هذا السياق نشرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية: “يَظهر أن مصلحة الدول الثلاث الضامنة لمسار أستانة تلتقي عند العداء للقوات الكردية في الشمال السوري، فهذه الأخيرة وضعت كامل بيضها في السلّة الأمريكية، ما يزعج الروس إلى حدّ بعيد، واشتبكت مع تركيا التي تحافظ على موقفها العدائي منها، وفشلت في إنجاح أيّ محاولة حوارية مع دمشق، وذهبت إلى حدّ الاشتباك مع القوات السورية غير مرّة، كما تناقض بتحالفها الوثيق مع الأمريكيين الموقف الإيراني المُساند لدمشق، فضلاً عن كون نظرائها في أربيل باتوا يشكّلون تهديداً متزايداً للأمن القومي الإيراني، لكن كلّ ما سبق لا يعني أن هذه الأطراف اتّفقت تماماً على السماح بتنفيذ عملية عسكرية تركية جديدة في سوريا، بل يبدو أن ما جرى حتى الآن هو إبداء تفهّم متزايد للمخاوف التركية، في وقتٍ تتسارع فيه الاتصالات البينيّة لرسم حدود الطموح التركي، والتوافق على التفاصيل الميدانية والأثمان السياسية”.
فيما نشرت صحيفة “هآرتس” العبرية تحليلاً لفتت فيه إلى أن الغزو التركي لشمال شرق سوريا كان على جدول أعمال السلطات التركية منذ أشهر، وكان يتم صده من قِبل روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، لافتة إلى أن الوضع بعد الحرب الأوكرانية تغيّر، حيث اعتبرت أنه “إذا قرر أردوغان غزو سوريا، فمن المشكوك فيه أن تقف روسيا في طريقها هذه المرة، وستكون المعضلة الأكثر تعقيداً هي معضلة الولايات المتحدة، فالعلاقة المتوترة بين أردوغان والرئيس الأمريكي جو بايدن ليست جديدة، لكن آخر ما يحتاجه الزعيم التركي الآن هو أن تعاقب تركيا واشنطن، أو توسع نطاق تعاونها مع روسيا، أو تقرر مغادرة الناتو”، مشيرةً إلى أن “بايدن الذي أرجأ محادثته الأولى مع أردوغان لعدة أشهر، وصف أردوغان بأنه مستبد وأوضح أنه يجب أن يدفع الثمن لانتهاكه حقوق الإنسان وشرائه أنظمة S-400 الروسية المضادة للطائرات، تحولت خلال العام الماضي إلى جماعة الضغط الأكثر حماساً لبيع طائرات F-16 الجديدة لتركيا”.
الأمر نفسه أشارت إليه صحيفة “رأي اليوم” اللندنية في صفحاتها إلى أن “العملية العسكرية التركية كانت مقررة من قِبل الجانب التركي قبل هذا الشهر بكثير لكن قمة طهران الأخيرة وجملة التفاهمات الروسية الإيرانية التركية هي من أجلت الغارات التركية أشهر عدة، وعلى خلفية انعدام أي أفق لنهاية الحرب في أوكرانيا، والمشكلات التي تفجرت في الداخل الإيراني، وكذلك الانشغال الأمريكي بالانتخابات النصفية، كلها كانت عوامل ساهمت في استيلاء الجديد التركي بعد تفجير تقسيم”، وختمت الصحيفة بقولها: “الأيام القادمة ستشهد تصعيداً كبيراً في الشمال السوري، لن تكون فيه النهايات كما كانت الخواتيم قبل ثلاث سنوات، وإنما ترسمها طبيعة السلوك الأمريكي والروسي وشكل التعامل مع مطالب أردوغان، الذي لن يطول الوقت كثيراً حتى نراه ملبياً لدعوةٍ باتت قريبة من الرئيس بايدن”.
يبدو أن حرب أوكرانيا الذي كان زعيماً غير مرغوب به لدى العديد من القوى العظمى وعلى رأسهم روسيا والولايات المتحدة الأمريكية، جعلت من أنقرة محط لتجاذبات العديد من هذه الدول، وبات اتخاذ أي موقف معارض للرغبة التركية يحتاج إلى دراسة وتقييم دقيق لحجم سلبياته وإيجابياته، وبحسب التحليلات فإن أنقرة تعي هذه الحقيقة وقررت الاستفادة منها خلال هذه المرحلة في الملف السوري لتنفيذ مشروعها “المنطقة الآمنة” أو جزء منه.