انتهت يوم أمس الجولة 14 من اجتماعات أستانة للدول الضامنة المتمثلة بروسيا وتركيا وإيران عبر بيان ختامي يمكن لأي قارئ له أن يستنبط الأطراف الخاسرة في المرحلة المقبلة في حال بقائها مع اللاعب الذي يعارض باقي اللاعبين أصحاب الثقل، وجوده في الملعب السوري.
فالبيان الختامي وإن كان يحوي على الكثير من العبارات الفضفاضة إلّا أنه أشار في جوانب أخرى إلى طبيعة المرحلة المقبلة والتي يبدو أنها موجهة لتقليص النفوذ الأمريكي ومن يمثله على الأرض بشكل أكبر خلال المرحلة المقبلة، ولايستثني الاحتلال التركي في الشمال السوري.
حيث أعربت الدول الثلاث الضامنة في هذا البيان، أيّ روسيا وإيران وتركيا عن رفضها فرض حقائق جديدة في الميدان بحجة مكافحة الإرهاب، بما في ذلك “الإدارات الذاتية” غير المشروعة في إشارة مباشرة إلى إلى “قوات سوريا الديمقراطية” ومكوناتها، بالإضافة إلى رفضها الإجراءات الانفصاليّة التي تستهدف الوحدة السياسيّة في سورية وسَلامة أراضيها، وتُهِدِّد الأمن القوميّ للدّول المُجاورة.
ولم يتوقف البيان الختامي عند هذا الحد بل ذهب لتأكيد رفض الاستِيلاء على موارد النفط السوريّة، وأي نقل لها بشَكلٍ غير قانوني، على الرغم من أن تركيا تعتبر أحد أهم المعابر الغير شرعية لتهريب هذا النفط.
أما البند الأهم الذي جاء خلال البيان الختامي فهو التّنديد بالهجَمات الإسرائيليّة على الأراضي السوريّة والذي يعتبر تطور ملفت قد يؤكد بدوره الأنباء التي تحدثت عنها “القناة الـ13” العبرية أول أمس، بأن طائرات مقاتلة روسية من طراز “سو-35” أحبطت هجوماً لمقاتلات إسرائيلية على “شحنات أسلحة إيرانية في مطار T4 في ريف حمص الشرقي، وأجبرتها على الانكفاء”.
تلك البيانات التوافقية من قبل الدول الأكثر تأثيراً في الملف السوري تؤكد بأن البوصلة السياسية والعسكرية خلال المرحلة المقبلة ستتجه إلى مناطق شرق الفرات السوري بطريقة أكثر فاعلية ليكون الخاسر الأكبر بهذا التوافق “قوات سوريا الديمقراطية” التي ترفض أن تنسلخ عن الولايات المتحدة على الرغم من كل خيبات الأمل التي أصابتها بها الأخيرة خلال الأشهر الفائتة.
إذا أردنا أن نحصر اللاعبين الأكثر فاعلية في الملف السوري نرى بأن الدول الضامنة لمسار أستانة والمتمثلة بتركيا وروسيا وإيران بالإضافة إلى الولايات المتحدة هم أصحاب الثقل الحقيقي من الناحيتين السياسية والعسكرية، وقد يكون البيان الختامي الأخير قد أكد إعلان الدول الثلاثة حرب صامته على الولايات المتحدة ومن يحالفها من “قسد” و”إسرائيل” بسبب تقاطع مصالح الدول الثلاثة وإن بشكل متفاوت حول إخراج الولايات المتحدة من الملعب السوري.
هذا التفاوت يتمثل بكون الروس والإيرانيين متفقين على إخراج القوات الأمريكية بكافة السبل، إلّا أن الجانب التركي يسعى بشكل متواصل إلى خلق حالة من التوازن في تدخله غير الشرعي في سورية عن طريق عقد اتفاقيات مع الأمريكيين، والموافقة التركية على هذا البيان قد تأتي بإطار الضغط على الولايات المتحدة في ظل الخلافات الحاصلة مؤخراً بين الطرفين في ظل توقعات بفرض الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية على تركيا ردت الأخيرة عليها بتهديدات بإنهاء التواجد العسكري الأمريكي على الأراضي التركية (قاعدة إنجرليك).
قد يتعين على القيادة السياسية الكردية قراءة مجريات الأحداث بطريقة أكثر واقعية ومعرفة أنه لا يمكن لها الوقوف في وجه هذه الدول الثلاثة مع حليف لا يختلف شخصان على أنه غير وفي لحلفائه، خصوصاً وأن الدولة السورية والتي تصب كل بيانات الجولة 14 في مصالحها قد دعت الأكراد أكثر من مرة للتفاوض لكن بعيداً عن الأجندات الأمريكية، فهل ستصل رسالة البيان الختامي للاجتماع 14 لمسار أستانة إلى القيادة الكردية ويتخلوا عن الأمريكيين والإسرائيليين أم أنهم سيواصلون جلوسهن على جبل القطن؟
رضا توتنجي